اشتهر الرئيس حسن شيخ محمود في ولايته الأولى جرأته على تشكيل حكومة مصغرة جدا، وكان الهدف منها إعطاء الأهمية في أقاليم الوسط والجنوب التي لم تكن كتلة موحدة وكانت تبدو أكثر معاناة من غيرها، ولكنه سرعان ما تأكد عدم جدوى تلك السياسة ثم تعامل مع الواقعية السياسية (المحاصصة القبلية) ليتمكن من تحقيق بعص المكاسب ولاسيما فيما يتعلق ببناء الولايات الفدرالية التي كانت تحتاج إلى تفاهمات قبلية معقدة، ويبدو ان تشكيل حكومة مصغرة في حينها كانت تستهدف سهولة التعامل مع الوضع الداخلي المعقد والتماهي مع الاستراتيجية الدولية التي جعلت البلد في حينها ثلاثة ولايات فقط – صوماليلاند، وبونتلاند، والوسط والجنوب-، ومن الممكن أن نعتبر أنها كانت استراتيجية ناجحة مكنته من التركيز على بناء الولايات الثلاثة – جلمدغ، هيرشبيلي، والجنوب الغربي- واستكمال ولاية جوبالاند بعد تفاهمات سياسية لاحقة.
ونظرا للخبرة السابقة المتعلقة بكيفية الانحناء من العواصف السياسية الناتجة عن مشكلات المحاصصة القبلية والدور المشبوه الذي يمارسه المجتمع الدولي من ناحية ودول الجوار من الناحية الأخرى، فمن الممكن أن نستنتج أن سياسة الرئيس لولايته الثانية قد اتضحت معالمها له ولفريقه، ولن تكون حقل تجارب كسابقتها، ومع ذلك لم تسلم من هفوات يمكن تداركها.
حكومة الحزب الواحد
ومع ذلك فإن النظرة الأولى للتشكيلة الحكومية الجديدة تشير إلى أنها حكومة الحزب الفائز، ومن إيجابيات هذا الصنيع أنها قد تكون حكومة توافقية ولاسيما بين الرئيس ورئيس الوزراء مما يمكنها من تنفيذ استراتجيتها المعلنة، ومن السهولة بمكان ترويض البرلمان والاستفادة من استراتيجيات السنوات الخمس الأخيرة، عندما يكون هناك توافق حكومي، ومع ادراكنا ضعف قدرات هذا البرلمان من حيث المناورة السياسية، ونظرا للدهاء الذي يتمتع به بعض الوزارء المقربين للرئيس فإن الجمهورية الجديدة قد تختلف عن الجمهورية السابقة، بشرط أن يمنح الرئيس رئيس وزراءه هامشا من حرية الحركة في تنفيذ سياساته والتشاور المستمر معه، ولاسيما في القضايا المسيرية.
من السجن إلى الوزارة
ورغم أن الرئيس حسن شيخ محمود كان يعاني من ولايته السابقة التدخلات الخارجية والإقليمية إلا أن تحركاته الحالية تؤكد نوعا من الاستقلالية النسبية في القرار، ويؤكد ذلك أن يتفاجأ الجميع صورة السجين السياسي السابق الشيخ مختار روبو علي في وسط الفريق الوزاري الجديد رغم الضغوط الخارجية التي مورست عليه، والرفض المحلي، وهذه رسالة واضحة للمجموعات الدينية الرافضة للدولة تقول: إنه من الممكن التعامل معهم بتقدير كبير إذا سلكوا مسلكا آخر غير القوة وحمل السلاح، وهناك رسالة مبطنة أخرى تؤكد أن حجزه كان سياسيا ولم يكن قانونيا؛ وعليه فإن استعادة حريته المدنية والسياسية هي قرار سيادي لا يحتاج إلى وصاية، ونرجو أن تكون هذه سياسة عامة تمنع الحجز التعسفي للمعارضة السياسية والمشتبه بهم في الغلو الديني حتى لا تتكرر الشكاوى السابقة.
ورغم أن انضمام المقاتل والقائد الشبابي السابق الشيخ مختار روبو إلى الحكومة الجديدة يقدم رسالة إيجابية كما يراه البعض إلا أنه فتح بابا من النقاش فيما يتعلق بالفصل بين السلطات وأكد هامشية دور المؤسسات العدلية، وهناك تساؤلات اخرى تتعلق بطبيعة الوزارة التي أسندت إليه، ولاسيما فيما يتعلق بكيفية اتعامل مع التوجهات الفكرية الأخرى التي لا تتوافق مع فكر الوزير الجديد.
التضخم الوزاري استراتيجية حرب أم مصالحة؟
ومع أن الرئيس حسن شيخ محمود أوضح أكثر من مناسبة أن استراتيجيته الجديدة هي تحرير الأراضي التي تسيطر عليها حركة الشباب إلا أنه من المستغرب أن تهتم التشكيلة الحكومية الجديدة الكثرة العددية بدلا من الجودة ولاسيما أن هذا العدد الكبير قد يكلف ميزانية الدولة التي تعاني أصلا من شح الموارد، ومن المؤكد أن حكومة تنتهج نهج الحرب وبسط السيطرة على كل هذه الأراضي التي تقع تحت سيطرة الحركة ستحتاج إلى ميزانية ضخمة توجه إلى العدة والعتاد بدلا من سياسة المصالحة التنفيعية التي لا تتجاوز من البرلمان، حيث إن ارضاء البرلمان لا يعني ارضاء الولايات، واذا تم فتح هذا الباب فصعب إغلاقه مستقبلا، وقد تمت تجربته سابقا وتأكد فشله.
ورغم ذلك فإن التفاهم مع الولايات في بداية انطلاقة الحكومة كان أهم من هذه التوزيعة المتضخمة التي لا تعبر عن قوة بقدر ما تؤكد تنفيعا مؤقتا لبعض الأعضاء، بينما تظهر نذر انشقاقات جديدة من بعض الولايات والتي بدورها قد تعيق الاستراتيجية المعلنة المتمثلة شعار الحملة الانتخابية للرئيس (صومال متصالح داخليا ومتصالح مع العالم)، فهل يبدو أن المصالحة الداخلية تتراجع والمصالحة الخارجية لم تتضح معالمها بعد؟، أو أننا نخسر بعض المكاسب السابقة بدلا من تمتينها.
هذه إشارة مجملة لبعض الأعراض ولا نسبق الأحداث، وإن غدا لناظره قريب.
Post Views: 15