في مقابلة مع الشيخ علي وجيز وفي معرض بحثه عــن العلاج للمعضلة الصومالية وجد أن الحل كامن في فكرة (الســـيادة وتوظيفها)؛ لحل النــزاع القائم بين الســلطتين المركزية وسلطة الولايات “القبلية”، كما أشار أنه من الممكن جداً في خضم ذلك الاستعانة بـ “العناصر الدولية”، وإن من يُعارض هذه السيادة سوف يكون مصيره القتل أم الحبس.
فكرة الشيخ في تعزيز السيادة بالقوة هي صوملة لفكرة المفكر الفرنسي جان بودان الذي يعتبر أول من نادى بصورة علمية بمفهوم السيادة المطلقة، وأنه يجب أن تتركز السلطة بيد الملك دون سواه، وكان جان بودان مثل الشيخ ( وجيز) ومثلنا قد سَأَم من الصراعات والحروب الداخلية بين المُقاطعات في فرنســا التي كانت تُمزق أواصر الوحدة الوطنية، مطالب جان بودان لم تنجح طويلاً، وتصادمت مع الواقع لأن فكرة السيادة تنطــوي على التــزام متبــادل مــن كل أفراد الشــعب، وهذا الالتزام يقوم على مبادئ عامة، يتفق عليها الجميع بدرجة واحد.
وهذا ما تفطن لها أغلب منظري “وحدة الدولة” في القرن الثامن عشر الميلادي، وقبلهم قادة المسلمين في فتوحاتهم وهو أن فكرة السيادة لا تتم ما لم يتم إدماج الجانب التشريعي بالجانب الاجتماعي مع الأخذ بالعوامل النفسية، وحتى في حالات الطوارئ، وهذا يذكرنا بأن أزمة السيادة في الصومال لم تكن أزمة نقص في القوة العسكرية وإنما كانت أزمة بسبب نقص في الوحدة اجتماعية وفي حقوق إنسانية وفي تاريخ خاص لم يتم قراءته بشكل عميق، فقوة كل ذلك كانت مدعاة أن تخترقت أي سلطة عسكرية.
ولو افترضنا جدلاً إننا سلمنا بفكرة الشيخ، سوف نجد إنها غير قابلة للتطبيق الفعلي على أمد طويل، لأنها تُقديم مفهوم سلبي للسيادة عندما استعانت بالعنصر الأجنبي، ومفهوم دكتاتوري للسيادة عندما سمحت “لسلطة مشتقة” ممارسة القتل والحبس.
الحل الممكن للحالة الصومالية هو ربما ما توصلت إليها التجربة الثورة الفرنسية بعد عقود من الفوضى هو إحداث تغييرات فلسفية وفكرية واجتماعية، وخلق حالة عامة للوعي يقودها مفكرين وأكاديميين وطنيين، تُمكن لهم من بناء التشريع يتوافق مع بنية المفاهيم للواقع ويتماشى مع مستوى التوقعات.
وفي حال فشل أي جهة في تحقيق السيادة، يظل وجود هذا توافق والإجماع مجتمعي، سبباً في تحريك الجميع نحو استعادة السيادة دون حاجة للأجنبي، وأقرب مثال لنا في ذلك هو موقف الشعب السوداني الذي كان له مواقف مُتباينة مع المؤسسة العسكرية، لكن عندما كان الحديث عن السيادة الدولة، أتخذ الشعب السوداني كله موقف الرجل الواحد، ووضع أرائه المُتباينة على الرف، فكان المدنيين بجانب العسكريين في ميدان تحقيق السيادة، دون الاستعانة بعنصر الأجنبي عسكريا والاكتفاء بالدعم اللوجستي الخارجي.