مقديشو- قراءات صومالية- من المقرر أن تشهد البلاد بحلول أواخر العام الجاري الانتخابات البرلمانية والرئاسية الصومالية على المستوى الفيدرالي على الرغم من وجود تكهنات حول إمكانية تأجيل الانتخابات عن موعدها، فبينما يروج أنصار الحكومة الفدرالية فكرة التأجيل لأسباب أمنية وسياسية ومالية، إضافة إلى تفشي وباء فيروس كورونا المستجد؛ ترفض المعارضة فكرة التأجيل جملة وتفصيلا.
ووقّع رئيس الجمهورية محمد عبد الله فرماجو في فبراير على قانون الاتنخابات الفيدرالية في البلاد الذي أقره البرلمان الفيدرالي بغرفتيه، إلا أنه بعد خمسة أيام من التوقيع، ورفْض كلّ من ولايتي بونت لاند وجوبالاند للقانون بحجة أنهما لم يتشاوا فيه، أكد المجتمع الدولي في بيان إنه من الضروري إجراء مراجعة عاجلة لقانون الانتخابات الذي تم تبنيه كي يمهد في إجراء انتخابات نزيهة وشاملة.
وأشار بيان مشترك من الشركاء الدوليين إلى أن القانون الذي وقّع عليه الرئيس فرماجو لا يشمل معالجة القضايا الخلافية مثل تمثيل المرأة، وترسيم الحدود، وقضية “أرض الصومال”، ولا يشمل وضع محافظة بنادر وتركها بدون حل، ودعا المجتمع الدولي في بيانه الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، وأصحاب المصلحة الآخرين إلى التشاور “بشكل عاجل” في حل القضايا الخلافية في القانون.
وعلى الرغم من تباين مواقف القوى السياسية من القانون الذي يواجه موجة من الانتقادات والمطالبات بإعادة النظر بشأنه، باعتبارهِ لا يناسب الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها البلاد فإنه يأتي ذلك وسط حالة من الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة في وقت تستعد فيه البلاد لإجراء أول انتخابات مباشرة في البلاد في أواخر العام الجاري 2020، ما يعزز من التكهنات بشأن مستقبل الانتخابات نفسها ومستقبل نظام الرئيس فرماجو في الحكم خلال الفترة المقبلة.
فرص فوز القيادة الحالية في الانتخابات:
بيد أنه من السابق لأوانه التكّهن في تحديد المسارات المتصلة بإجراء الانتخابات في مواعدها، أو تأجيلها، كما أن جلوس الحكومة الفدرالية، وقادة الولايات، وأحزاب المعارضة السياسية مطلوبة في المرحلة الراهنة، بغية تشخيص الأزمة الناجمة عن كورونا، فضلا عن القضايا السياسية والأمنية والدستورية الأخرى.
لكن هناك تكهنات بعودة القيادة الحالية إلى السلطة مرة أخرى خاصة إذا نظرنا إلى محاولات الحكومة الفيدرالية التأثير على الولاءات وخلق تحالفات ممكنة داخلياً وخارجياً؛ وتحصين جبهاتها في بعض الولايات الإقليمية مثل جنوب غرب الصومال، وهيرشبيلي وغلمدغ، ومحاولة كسب ولاءات القبائل في تلك الولايات، واجتذاب قطاعات واسعة من المجتمع الصومالي إلى جانبها، لاسيما الشباب وبعض القبائل والعشائر الصومالية.
كما تسعى قيادات متنفذة في النظام الحالي إلى تأسيس جبهة متحالفة معها في محافظتي سول وسناغ وعين على حساب ولاية بونت لاند بهدف ضمان تشكيل تحالف مضاد ضد بعض الولايات المعارضة والمعارضة السياسية.
هذا بالإضافة إلى سيطرتها شبه التامة على إجراءات العملية الانتخابية وفقاً لما ينص عليه قانون الانتخابات الجديد، مما يمنحها أفضلية التحكم في نتائج الانتخابات.
وقد أعلن الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو في حوار تلفزيوني بإعادة ترشحه للانتخابات المقبلة، ويتكهن كثيرون بفوزه بمنصب الرئاسة لفترة ثانية خاصة إذا نجح في إقناع رئيس الحكومة حسن علي خيري بدعمه وعدم ترشحه، وإنشاء حزب سياسي موسع للنظام الحاكم الحالي.
التحديات:
إلا أن هناك تحديات كثيرة حيال فرص عودة النظام الحالي منها تقلبات ولاءات القبائل الصومالية، وتمرس القطاعات المختلفة من المجتمع في خلق تحالفات كبيرة تسقط كل نظام قديم يحاول العودة، وهذا ما حدث في عام 1967 حيث هزم أول رئيس للبلاد آدم عبد الله عثمان أمام منافسه عبد الرشيد علي شرمأركي، وكما حديث في الانتخابات السابقة في 2012و2017.
فرص فوز المعارضة السياسية في الرئاسة:
تتمثل المعارضة في الصومال في بعض الولايات الإقليمية، والأحزاب السياسية التي يتجاوز عددها في البلاد أكثر من 63 حزباً، إلا أن الائتلاف الرئيسي للأحزاب يتمثل في منتدى الأحزاب الوطنية الذي يتزعمه الرئيس الأسبق شيخ شريف أحمد ، وتضم ست أحزاب سياسية، أبرزها حزب هملو الوطني الذي يتزعمه شريف شيخ أحمد، وحزب إليس الذي يتزعمه النائب في البرلمان عبدالقادرعسبلي، وحزب الاتحاد من أجل السلام والتنمية الذي يتزعمه الرئيس السابق حسن شيخ محمود
وتلعب قوى المعارضة الصومالية دوراً فعّالاً في المشهد السياسي، وتملك صدى ملحوظاً لدى الرأي العام الداخلي، حيث تقوم بتحركات رسمية وشعبية في الداخل والخارج، كما أن لديها حضوراً بارزاً في المشهد الإعلامي المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي.
وتحاول المعارضة تشكيل تحالفات مضادة للنظام الحاكم مثل منتدى الأحزاب الوطنية الذي دعا إلى تحويله إلى كتلة موحدة في مؤتمر إستنبول بداية مارس 2020م في إطار مساعيها لتوحيد جهودها في مواجهة نظام فرماجو في الانتخابات المقبلة بالرغم مما تواجهه من تضييق حكومي على نشاطاتها.
أبرز الأحزاب والقوى المعارضة في الساحة:
1- حزب الآفاق الوطني: الذي يتزعمه الرئيس الأسبق للصومال شريف شيخ أحمد، وهو رئيس منتدى الأحزاب الوطنية، ويعارض النظامَ الحاكم بشدة، ويعد رأس الرمح لأحزاب المعارضة السياسية، ويستضيف الاجتماعات التشاورية لأحزاب المعارضة في مقره، ويحظى هذا الحزب بدعم جماهيري نظراً لشعبية رئيسه وتاريخه السياسي، كما يملك علاقات قوية مع أغلب الولايات الفدرالية، ويحتفظ أيضا بعلاقات إقليمية ودولية.
2- حزب إليس (Ilays)، ويتزعمه النائب في البرلمان عبد القادر عسبلي علي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب الصومالي، ويعتبر عسبلي من أهم وأبرز الوجوه السياسية المعارضة للنظام الحالي، وقد سبق وأن خاض سباق الانتخابات مرتين، في عام 2012و 2017، ويحظى حزبه بمساندة جماهيرية، والوسط الثقافي،والنواب في البرلمان الحالي.
3-حزب الاتحاد من أجل السلام والتنمية (UPD): يتزعمه الرئيس السابق حسن شيخ محمود، ويعد من أشد الأحزاب المعارضة للنظام الحاكم. ويضم عدداً بارزاً من الساسة الصوماليين والمسؤولين السابقين، وبعض نواب البرلمان. ويتمتع الحزب بعلاقات داخلية وخارجية جيدة، لاسيما مع تركيا التي تعتبر حليفاً للنظام الصومالي الحاكم
4-حزب ودجر: ويتزعمه السياسي البارز عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، والذي خاض سباق الانتخابات الرئاسية السابقة 2017. وقد تعرض زعيم الحزب هجوما عسكريا في دسمبر 2017م، أسفر عن مقتل حراس مقر الحزب، وإصابة عبدالرحمن عبدالشكور نفسه، ويملك زعيم الحزب رؤية سياسيةواضحة المعالم، وهو مصدر إزعاج لقادة اللحكومة الفدرالية، وهو الحزب الوحيد البارز الذي ليس له عضوية في منتدى الأحزاب الوطنية بعد انسحابه منها، ويعد الحزب من أشد المعارضين للنظام الحالي وحلفائه، وله شعبية في الداخل والخارج.
5-حزب السلام الصومالي: ويتزعمه البرفسور الدكتور محمد عبده محمد- المشهور – الدكتور غاندي- وهوعضو البرلمان الصومالي الحالي، وتقلد عدة مناصب وزارية في الحكومات الإنتقالية الصومالية، ومنها وزارة الدفاع، وزارة النقل والطيران، كما يعتبر مؤسس ولاية جوبالاند الصومالية، ويملك علاقات واسعة مع الوسط الأكاديمي، والثقافي، ويتحدث باللغات الصومالية، والعربية، والإنجليزية، والفرنسية، ويحظى بعلاقات إقليمية ودولية.
6-حزب كلن (المؤتمر) المعارض، ويتزعمه محمد عبد الرحمن “سيرين”، وهو رجل أعمال وناشط في مجال الإغاثة، وأعلن ترشحه للانتخابات الصومالية المقبلة.
7- بعض المرشحين المستقلين الذين يتمتعون بقبول ملحوظ داخل المجتمع، لاسيما بين القيادات المجتمعية ونقابات رجال الأعمال، ومن أبرزهم عبد الكريم حسين غوليد، رئيس ولاية غلمدغ الأسبق، وطاهر محمود جيلي وزير الإعلام السابق والسفير السابق لدى السعودية. ولديهم فرصة قوية في المنافسة على الانتخابات المقبلة رغم أنهم يُشاركون لأول مرة.
التحديات أمام المعارضة:
هناك العديد من التحديات تواجه المعارضة في السباق الرئاسي أمام القيادة الحالية التي تبدو أكثر قوة ونفوذا على الصعيدين الداخلي والخارجي، من بين هذه التحديات الانشقاقات الداخلية بين الأحزاب السياسية، خاصة بعد انسحاب حزب وذجر عن منتدى الأحزاب الوطنية، كما أن كثرة المرشحين المحتملين تساهم في إضعاف قوة المعارضة في السباق الرئاسي.
السيناريوهات المقبلة:
عانى الصومال -ولا يزال- منذ سقوط الدولة المركزية مطلع التسعينات من القرن الماضي، تحديات لا حصر لها، فقبل الألفية الجديدة كان عدم الاستقرار السياسي والأمني تحديين كبيرين بالنسبة له، لكن مع انتهاء فترة الحكومات الانتقالية، كثرت التحديات على عكس ما كان يتوقعه كثيرون، على الرغم من أن الظرف الأمني تبدل وتحسن نحو الأفضل منذ نشر قوات إفريقية في الصومال عام 2007.
1-تأجيل الانتخابات. وهو السيناريو المطروح والمتداول بين المهتمين بشأن الانتخابات العامة، ويرجع ذلك إلى احتمالية استمرار أزمة تفشي فيروس كورونا في كثير من دول العالم، ما دفع الحكومة الصومالية إلى اتخاذ إجراءات طارئة للحد من انتشاره. أضف إلى ذلك، حاجة الرئيس فرماجو للمزيد من الوقت لاستمالة بعض الولايات الإقليمية إلى جانبه، وتحقيق المزيد من الأمن في عموم البلاد،وإمكانية تأخير الدعم الدولي المخصص لتنظيم الانتخابات.
2-انعقاد الانتخابات في موعدها. وهو السيناريو الأوقوى الذي يأكد الجميع تحقيقه، وإن لم يتمكن النظام الحاكم حسم بعض الملفات الداخلية بعد، مثل الخلافات مع بعض الولايات الإقليمية مثل بونت لاند وجوبالاند، واستتباب الحالة الأمنية في البلاد في ظل نشاط حركة الشباب المجاهدين، وتأخر البدء في العمليات اللوجستية الخاصة بالانتخابات مثل تسجيل الناخبين. فضلًا عن عدم الإعلان عن حزب الرئيس فرماجو الذي سوف يخوض به الانتخابات المقبلة
تداعيات تأجيل الانتخابات على الصومال
تأجيل الانتخابات البرلمانية، والرئاسية الصومالية عن مواعيدها المحددة في الدستور، دون موافقة جميع الشركاء، من الحكومة الفدرالية، والولايات،وأحزاب المعارضة السياسية، فضلا عن الشركاء الإقليميين، والدوليين، قد تفتح أبواب الشر المغلقلة على الصومال، وتخلق أزمات سياسية مستعصية، وتثير إضطرابات أمنية قد تخرج عن نطاق السيطرة، بناءا على التصريحات الصادرة من أبرز قادة أحزاب المعارضة السياسية.
وتجري الآن تحركات سياسية في اكثر من منطقة صومالية، والتي تدعو قادة الحكومة الصومالية تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها، كما تشهد الساحة الصومالية مؤتمرات عشائرية،وهي الأخرى تشدد ضرورة حماية النظام الديمقراطي الوليد في الصومال،وهي إجراء الانتخابات في موعدها، والإبتعاد عن تأجيلها تفاديا من بروز كيان سياسي مواز لكيان الحكومة الصومالية الفدرالية.