تُعد السياسة الصومالية في الوقت الراهن مشهداً معقداً ومتناقضاً، يشهد فيه البلاد تحديات متشابكة بين العوامل الداخلية والإقليمية والدولية. في ظل هذا المشهد، يبدو أن الصومال ينزلق في مسار يشبه إلى حد كبير الانهيار الذي شهدته الحكومة الأفغانية أمام حركة طالبان عام 2021. هذا المقال يناقش أوجه العمى الاستراتيجي في السياسة الصومالية، ويربطها بالمسار التاريخي الذي أدى إلى انهيار الدولة الأفغانية، مع التركيز على القواسم المشتركة بينهما.
غياب الرؤية الاستراتيجية في السياسة الصومالية
في السياق الصومالي، تتسم السياسة الحكومية بالافتقار إلى رؤية استراتيجية واضحة وقادرة على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية. اجتماع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الأخير مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في تركيا يُعد نموذجاً لهذا التخبط. فبينما سبق أن صرح الرئيس الصومالي بعدم نيته اللقاء بأبي أحمد ما لم تُراجع إثيوبيا موقفها من الاعتراف بأرض الصومال ومحاولة السيادة الصومالية وبحرها، جاء الاجتماع المفاجئ ليكشف عن تناقض واضح بين الخطاب السياسي والممارسات العملية.
هذا النوع من التناقض يعكس حالة من “العمى الاستراتيجي”، حيث لا يبدو أن القرارات السياسية تُبنى على أساس مصلحة وطنية متماسكة، بل على ضغوط وتغيرات خارجية قد لا تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاستراتيجية للصومال كدولة تواجه تهديدات وجودية.
التشابه مع السقوط الأفغاني
التجربة الأفغانية تقدم نموذجاً حياً لما يمكن أن يحدث حينما تفتقر الدولة إلى رؤية استراتيجية، وتصبح أسيرة للصراعات الداخلية والإملاءات الخارجية. عند مقارنة الوضع الصومالي بالحالة الأفغانية، تبرز عدة قواسم مشتركة:
1.فقدان السيطرة على المناطق الاستراتيجية:
مثلما فقدت الحكومة الأفغانية السيطرة على أراضٍ شاسعة أمام طالبان، تعاني الحكومة الصومالية من تآكل سيطرتها على المناطق الحدودية والاستراتيجية. فقدان راسكامبوني وتسليم قوات الجيش الوطني في بعض المناطق يعكس ضعفاً بنيوياً يجعل الدولة عاجزة عن الحفاظ على أراضيها، وهو ما يشبه الانسحاب التدريجي للجيش الأفغاني أمام طالبان.
2.التدخلات الخارجية وانعدام الاستقلالية:
تعتمد الحكومتان الصومالية والأفغانية بشكل كبير على الدعم الدولي والإقليمي. إلا أن هذا الاعتماد يجعل القرارات السياسية رهينة لمصالح القوى الخارجية. التحركات العسكرية الإثيوبية داخل الأراضي الصومالية، وحركة القوات عبر الحدود الكينية-الصومالية، تعكس مدى هشاشة السيادة الصومالية، تماماً كما كانت الحكومة الأفغانية تعتمد على الدعم الأمريكي دون القدرة على بناء مؤسسات قادرة على البقاء.
3.ضعف المؤسسات الوطنية:
السقوط السريع للحكومة الأفغانية كان نتيجة ضعف المؤسسات المدنية والعسكرية، وهو ما يتكرر في الصومال. الجيش الوطني الصومالي، الذي يُفترض أن يكون العمود الفقري للدولة، يعاني من الانقسامات وضعف التدريب، فضلاً عن التبعية للقوى الإقليمية والدولية.
4.العدو الداخلي المنظم:
تماماً كما كانت طالبان قادرة على تنظيم نفسها عسكرياً وسياسياً، فإن حركة الشباب في الصومال تُعد تهديداً مشابهاً. الحركة ليست مجرد ميليشيا مسلحة، بل لديها رؤية إيديولوجية وتنظيم إداري يسمح لها باستغلال الفراغ السياسي وضعف الدولة.
العوامل الإقليمية والدولية: جزء من المشكلة أم الحل؟
التدخل الإقليمي والدولي في الصومال لم يكن دائماً حلاً، بل في كثير من الأحيان كان جزءاً من المشكلة. العلاقات مع إثيوبيا وكينيا، على سبيل المثال، تحكمها أجندات أمنية واقتصادية قد لا تخدم مصلحة الصومال بالضرورة. الاجتماع الأخير بين حسن شيخ محمود وأبي أحمد قد يُفسَّر على أنه استجابة لضغوط إقليمية، وليس بالضرورة قراراً يخدم المصالح الصومالية الوطنية.
من ناحية أخرى، يعتمد الصومال بشكل كبير على الدعم المالي والعسكري الدولي، وهو ما يجعله عرضة للتأثيرات الخارجية. لكن الدرس الأفغاني يُظهر أن الاعتماد على الدعم الخارجي دون بناء مؤسسات وطنية قوية يجعل الدولة هشّة أمام أي تغير في موازين القوى الدولية.
هل يمكن تفادي السقوط؟
رغم التشابه الكبير بين الحالتين، فإن الصومال ما زال لديه فرصة لتجنب المصير الأفغاني. لتحقيق ذلك، يجب على القيادة الصومالية:
1.بناء رؤية وطنية موحدة:
لا يمكن تحقيق الاستقرار دون توافق وطني حول مستقبل البلاد. يجب أن تكون السياسة مبنية على مصلحة الشعب الصومالي، وليس على أجندات خارجية أو تنافسات حزبية ومصالح شخصية ضيقة.
2.تعزيز المؤسسات الوطنية:
يتعين على الحكومة التركيز على بناء جيش وطني قوي غير تابع لأي قوة خارجية، إلى جانب تعزيز المؤسسات المدنية التي تضمن الحوكمة الرشيدة.
3.تحقيق توازن في العلاقات الخارجية:
يجب على الصومال الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، دون السماح لهذه العلاقات بأن تُضعف سيادته الوطنية.
4.معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للصراع:
التحديات الأمنية في الصومال، مثلها مثل الحالة الأفغانية، متجذرة في الفقر وغياب الفرص. لا يمكن تحقيق الاستقرار دون معالجة هذه القضايا الأساسية.
وفي الختام
السياسة الصومالية الحالية تبدو عمياء عن التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد، وتذكرنا كثيراً بالسقوط الأفغاني الذي جاء نتيجة التبعية الخارجية، والفساد الداخلي، وغياب الرؤية الاستراتيجية. لكن الصومال لا يزال أمامها فرصة لتغيير هذا المسار إذا ما تبنّت قيادته نهجاً جديداً قائماً على الوحدة الوطنية وبناء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة التحديات، فالتجربة الأفغانية يجب أن تكون درساً، وليس مصيراً محتوماً.
Post Views: 219