في كتب السياسة، تتردد المبادئ والمواقف كأعمدة أساسية يُفترض أن يبني السياسيون عليها قراراتهم ومساراتهم. لكن في الواقع الصومالي، يبدو أن هذه القواعد قد أصبحت مجرد شعارات، وتحوّل المشهد السياسي إلى ساحة صراع على المصالح الشخصية، مهما كان الثمن. هذا التحول لا يُهدد فقط استقرار الوطن، بل يعصف بكل فرص بناء الدولة التي طالما حلم بها الشعب الصومالي.
الواقع السياسي: من بناء الدولة إلى هدم الخصوم
الصراع السياسي في الصومال اليوم ليس صراعًا على رؤية وطنية لبناء الدولة، بل أصبح أداة لإسقاط الخصوم وتصفية الحسابات. تُستخدم السلطة كوسيلة لتحقيق مصالح فردية أو حزبية، متجاهلين تمامًا ما يحتاجه الوطن من استقرار ووحدة. المشهد السياسي مليء بالخلافات التي تغذيها المصالح الشخصية والجهوية، مما يضع مستقبل البلاد على المحك.
ما يجري في ولاية جوبالاند مثال حي على هذا العبث. النزاع بين الحكومة الفيدرالية وأحمد مدوبي، الحاكم الذي يتفرد بالسلطة، يُنذر بانفجار أزمة قد تعصف بما تبقى من استقرار البلاد. بدلاً من توحيد الجهود، تُترك الخلافات لتتفاقم، وتُستخدم كوقود لصراعات تُضعف البلاد وتزيد من هشاشتها.
غياب الحكمة وافتقار القيادة الوطنية
لا يمكن تفسير هذا السلوك السياسي إلا بغياب القيادة الحقيقية التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. السياسيون الذين يدورون في فلك مصالحهم الشخصية، بعيدًا عن المبادئ الوطنية، يخونون الأمانة التي وضعها الشعب فيهم. التاريخ لن يرحم من يتلاعب بمصير الصومال لتحقيق أهداف ضيقة.
في التاريخ الحديث للصومال، لم يسبق للشعب أن وقف موحدًا ضد الظلم كما حدث في عهد المحاكم الإسلامية. تلك الأيام، رغم الانتقادات، شهدت التفافًا شعبيًا نادرًا، لكن القيادة التي كان يُعوَّل عليها أُهدرت بسبب الخلافات وعدم استثمار الفرصة لتحقيق الوحدة الوطنية.
الحل: تغليب مصلحة الوطن والعمل المشترك
مع تصاعد الخلافات السياسية، آن الأوان لأن يدرك السياسيون أن الوطن أكبر من الجميع. الدولة الفيدرالية، رغم عيوبها، هي الإطار الوحيد المتاح لتحقيق الاستقرار والعدل في الصومال. يجب أن تكون الوحدة الوطنية والعمل المشترك هما الأساس في أي حوار أو اتفاق.
على المعارضة السياسية أن تتخلى عن سياسة الهدم لمجرد إسقاط الحكومة الفيدرالية. إذا كان النقد مشروعًا، فإن التخريب غير مقبول. الوطن بحاجة إلى حكمة ورؤية جماعية تُغلِّب مصلحة الشعب على المصالح الشخصية.
السياسة الصومالية تحتاج إلى أخلاق
السياسة ليست مجرد لعبة مكاسب، بل هي أمانة ومسؤولية تجاه الشعب. القيم الوطنية لا ينبغي أن تكون سلعة تُباع عند أول فرصة لتحقيق مصلحة شخصية. السياسيون الكبار الذين يتخلون عن المبادئ الوطنية يساهمون في ترسيخ ثقافة الفوضى والانقسام.
الوطن ليس ملكًا لفئة أو حزب أو زعيم؛ إنه أمانة في أعناق الجميع. الصومال لا يمكن أن يتحمل المزيد من الانقسامات والصراعات. المطلوب اليوم هو حوار وطني شامل، تُوضَع فيه جميع الخلافات جانبًا، وتُبنى رؤية موحدة لمستقبل الصومال.
خاتمة: الصومال أولاً
التاريخ لا ينسى، والشعوب لا تغفر لمن يخونون ثقتها. الصومال يستحق قيادات تضعه في المقدمة، قيادات تؤمن بأن بناء الدولة أهم من أي مصلحة فردية أو جهوية. الوحدة والعمل المشترك هما السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد.
على السياسيين أن يتذكروا أن السلطة زائلة، لكن الوطن باقٍ. مستقبل الصومال يعتمد على قرارات اليوم، فإما أن نختار طريق البناء والاستقرار، أو نغرق في مستنقع الصراعات التي لا نهاية لها.