يُدرك الجميع أن الصراع الصومالي الإثيوبي ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لصراع تاريخي طويل تغذّيه الأطماع الإثيوبية القديمة والجديدة، رغم ذلك فإن الواقع السياسي الراهن يفرض على الصومال تبني نهج دبلوماسي أكثر مرونة، حيث لم يعد بإمكانه تجاهل التعامل مع إثيوبيا، خاصة في ظل التعقيدات التي أفرزها النظام الفيدرالي وما تبعه من خلافات مستمرة بين الولايات الصومالية والحكومة المركزية، فضلًا عن الصراع المسلح ضد الحركات المسلحة التي تحمل فكر الخوارج، والتدخلات الأجنبية التي جعلت البلاد ساحة مفتوحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية.
إلى جانب هذه التحديات، تواجه الحكومة المركزية ضغوطًا متزايدة أثقلت كاهلها، أبرزها التدخل الإماراتي في الشؤون الداخلية الصومالية، الذي ينطوي على أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية قد تفوق في خطورتها أي تدخل خارجي آخر.
وهناك أيضا صراع خفي بين الإمارات وقطر داخل الساحة الصومالية الذي يظهر تارة ويخبو تارة أخرى والذي يساهم في تحويل البلاد إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين الدولتين العربيتين، مما زاد الوضع تعقيدًا.
هذا المناخ المضطرب في الساحة الصومالية يمنح إثيوبيا فرصة ذهبية لاستغلال الفوضى الداخلية والتدخلات الخارجية لمصلحتها، سواء عبر دعم الولايات الإقليمية على حساب الحكومة المركزية، أو تأجيج الصراعات بين القائل الصومالية، أو حتى تقديم الدعم للجماعات المسلحة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي مع جعل إيثوبيا نفسها أمام المجتمع الدولي في صورة الضحية، رغم أن الواقع يشير إلى العكس تمامًا.
أمام هذا الوضع المتأزم، لا تجد الدولة الصومالية خيارًا سوى أن التعامل مع إثيوبيا وغيرها بحذر شديد ودبلوماسية محسوبة، كما يقول الشاعر: “إذا لم تكن إلا الأسنةُ مركبًا ** فما حيلةُ المضطر إلا ركوبها”
وذلك لأن سياسة الدولة لا تقوم على العداء المطلق ولا على الصداقة الدائمة، بل تُبنى على تحقيق المصالح الوطنية وحماية السيادة.
وهذا يستوجب تعزيز التماسك الداخلي والمصالحة الوطنية، للحد من النفوذ الخارجي في الشؤون الداخلية حتى لا تتحول الدولة إلى كيان هشٍّ يعجز عن الدفاع عن مصالحه أمام هذه التحديات.
وفي هذا الإطار، قد يكون التعامل مع العدو التاريخي الإثيوبي ضرورة تفرضها الموازين السياسية، لكنه يجب أن يكون قائمًا على رؤية استراتيجية توازن بين حماية السيادة الوطنية وتعزيز المصالح قبل كل شيء، سواء في المعادلات الإقليمية أو الدولية.