ما يُسمى بالحروب النظيفة او حروب بلا دماء لم تكون هي الحروب التي كانت تجد طريقها إلى الصومال غالباً، مع ذلك بقيت “*حروبنا مع طول مدتها هي حروب محكومة بمعايير تجعلها إلى حد ما الأقل ضرراً*”، فلا تجد في تاريخنا سجنا ببشاعة سجن صيدنايا مثلا، ولا قصص القوات الأمريكية في فتنام أو في العراق أو في غوانتانامو، ولا فظائع معسكرات الأشغال الشاقة في الاتحاد السوفيتي، وحتى في المجتمعات التي تشابهنا في التركيبة الاجتماعية مثل رواندا، *لم يشهد الصومال جرائم مثل الذي شهدتها روندا، فهذه المعايير غير المكتوبة ظلت تتحكم بمجتمع المعركة*.
فمجتمع المعركة في الصومال هو مجتمع *لا يتنصل من العلاقات الاجتماعية التي تربطه بطرف الآخر حتى وإن تشوهت*، فأصبحت العلاقات الاجتماعية هي المعيار التي *تُلقي بظلالها على الحروب على شكل خطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها،* وأبسط مثالا على ذلك هي عمليات المصاهرة والتزاوج التي كانت تعقد في أشرس مرحلة من الحروب الأهلية وفي أصعب مكان يمكن أن يعيش فيه الإنسان الصومالي وهي مخيمات اللجوء في كينيا، فكانت علاقات المصاهرة تجري بين العوائل بصورتها المعتادة متوازية مع مشاهد الاقتتال بين تلك العوائل ذاتها.
لذلك كان *استهداف المرأة وقت الاقتتال هو استهداف شاذ ومستهجن*، فالصراعات الصومالية على بشاعتها تحدد الغاية النهاية للقتال وهو إشباع غريزة الامتلاك سواء كان الامتلاك سلطة أو قوة أو أرضا أو موارد بأنواعها، دون المبالغة في إذلال الخصم بنقاط ضعفه والمرأة هي نقطة ضعف الجميع في ساحة المعركة، لذلك كانت *المرأة الصومالية وقت الاقتتال على هامش الحروب وآخر اهتمامات المتحاربين*، إلا في أوقات في غاية الشذوذ، ومن أفراد ساقطين من قاموس المجتمع.
في حال تجاوز الطرفين العلاقات الاجتماعية وقت الاقتتال هي (*بداية الإبادة للمجتمع الكلي)، حسب تعبير فالمفكر الاجتماعي الألماني (نوبرت إلياس*)، فتدمير العلاقات الديناميكية للمجتمع يمهد صناعة طرفين في مجتمع واحد لا يعرفان بعضهما البعض، والانتصار لا يعد محكوما بغريزة واحدة، فكل غرائز الشر الانتقامية تجد لها ميدانا، حينها تُخلق ذاكرة اجتماعية جديدة لا تقبل المصالحة مع الخصم حتى مع تقادم الزمن، *فالمُنتصر يجد نفسه بعد الانتصار داخل مظلة اجتماعية كبيرة باردة وهشة، قابلة للانكسار من اي تهديد خارجي او من عصابات التطرف الداخلي*…
*د. فاطمة حوش*
17-4-2025