يعتبر النفط في القرن الواحد والعشرين المحرك الرئيسي لسياسات الدول واقتصادها باعتباره محرك عجلة الإقتصاد العالمي، وجاء النفط ليحدث نقلة نوعية في الصناعات العالمية ويخرج العالم من الإعتماد علي الفحم الأسود الذي كان يعتبر وقود السفن والقطارات والصناعات الثقيلة في العالم.
أصبح النفط مصدر دخل لعديد من الدول والشركات، وكونو ثروة طائلة وراء استخراج النفط وتكريره مع مشتقاته البتروكيمائية، فقبل استخراج النفط في دول الخليج كالسعودية والكويت وقطر كانت تعتبر هذه الدول قابعة تحت فقر مدقع متمثلين في رعاة يعيشون في الصحراء القاحلة وتحولت بعد اكتشاف النفط فيها الي دول لها ميزانياتها الخاصة بالمليارات واعتبارها السياسي ولاعبين اساسين في رسم سياسية الشرق الاوسط.
تقع الصومال في منطقة متاخمة لطرق التجارة العالمية وخليج عدن مما يجعلها منطقة استراتيجية تلفت انظار الاطماع الغربية ، واحتمالية وجود نفط فيها مع موقعها في القرن الافريقي يجعلها بئية خصبة لشركات انتاج النفط العالمية.
تلوح في الافق بوادر وجود النفط في الصومال، ففي 3 مايو 2016 اعلنت الحكومة الصومالية انتهاء عملية امسح الجيولوجي وجمع المعلومات عن مخزون النفط والغاز في شواطئ جنوب الصومال دون الإشارة إلى اكتشاف النفط من عدمه، وفي الايام القليلة الماضية عقدت الحكومة الفيدرالية والاقاليم الصومالية اتفاقية تقاسم عائدات النفط مما يؤكد وجود نفط في الصومال ولكن السوال الاهم هم هل نحن في مرحلة تسمح لنا بالانضمام لنادي الدول المنتجة للنفط.
مع ازدهار تجارة النفط في العالم ازدادت قوة الشركات المتاجرة فيه مما جعلها تتحكم في اقتصاد الدول المنتجة للنفط، وهذا اعطاها صلاحية التحكم في سياسة هذه الدول وحكوماتها بشكل مباشر وغير مباشر، فسياسة هذه الشركات تتمثل في حمياة مصالحها عبر مساعدة ثلة من الفاسدين الديكتاتورين للوصول الي سدة الحكم في هذه البلاد وقال ديك تشيني وزير الدفاع الامريكي الاسبق ورئيس شركة هاليبرتون “إن الرب راى انه من الحكمة الإلهية أن لا يمنح النفط للدول الديمقراطية” وفي الغابون عمدت هذه الشركات دعم الرئيس عمر بونقو ليبقي في حكم الغابون 40 عاما وينهب عائدات نفط بلاده مقابل حماية مصالح هذه الشركات وضمان تدفق النفط الي فرنسا، وقال بونقو ان الغابون بدون فرنسا كسيارة بال سائق وفرنسا بلا الغابون كسيارة بلا وقود.
وفي حال اصطدام مصالح هذه الشركات مع سياسة حكومة من احدى الدول المنتجة للنفط تعمد هذه الشركات بالاطاحة بهذه الحكومة كما حصل في ايران عام 1953 حينما اطاحت هذه الشركات وبمساعدة من المحابرات المركزية الامريكية عبر شراء ذمم رجال البرلمان والاعمال وقادة الجيش بالدكتور محمد مصدق بعد أن طرد هذه الشركات وعمد إلي تاميم النفط الايراني عبر شركات تملكها الدولة معتبرا قضية النفط مسالة امن قومي يجب أن تظل في يد الايرانين انفسهم لا تحت رحمة شركات اجنبة، وتكرر نفس السيناريو عام 2002 ولكن هذه المرة في فنزويلا عندما قادت هذه الشركات محاولة انقلاب فاشلة ضد رئيس فنزويلا الراحل هوغوجزافيتش لنفس اسباب الاطاحة بمحمد مصدق من رئاسة الحكومة في ايران.
انتاج النفط في الصومال حتما سيقوي الاقتصاد الصومالي ولكن بالنظر الي المناخ السياسي السائد في البلاد منذ انهيار الحكومة المركزية في عام 1990 والتحديات الامنية المتمثلة في المليشيات الارهابية وافتقاد البلاد سياسين يجيدون استراتيجيات اللعب في كواليس المطبخ السياسي وغياب سياسة واضحة لمكافحة الفساد والمحسوبية وعدم التوافق التام بين حكومات الاقاليم والحكومة المركزية في مقديشو يمكن ان يدخل البلاد في دوامة حروب اهلية في حين ضخ مليارات الدولارات من عائدات النفط ودخول شركات تجارة الذهب الاسود الاستقراطية إلي البلاد واحكامها السيطرة علي مفاصل الاقتصاد الوطني مما يؤخر تعافي الصومال من ويلات الحروب الاهلية التي طحنت آمال الصومالين بامتلاك حكومة مركزية قرابة ثلاثة عقود. طريق انتاج النفط في الصومال لازال طويلا وعدم الاخذ بعين الاعتبار والتعلم من تاريخ الدول المنتجة للنفط والتي تسيطر عليها الشركات العالمية مثل الغابون ونيجيريا سيكون لها عواقب وخيمة علي المسار السياسي والاقتصادي في البلاد علي المدى الطويل.
وفي الختام ارى انه من الحكمة عدم التسرع والاستعجال في انتاج نفط في الصومال بغية تقوية الاقتصاد إلى ان توجد حكومة مركزية لها القدرة علي الحفاظ علي الخيرات الوطنية وتتمتع بصلاحيات تضمن انفاق عائدات النفط بشكل سليم لتحقيق التنمية المستديمة في البلاد.