تلميذي طالب في المدرسة الإبتدائية قابلته في يوم من الأيام. وأنا من أنا؟ أنا الناصح الأمين والمربي القدير والصديق الحميم لكل الناس صغيرهم قبل كبيرهم، عالمهم وجاهلهم. أنا باني المستقبل وصانع الأبطال، أنا المؤتمن على الوطن وعلى العقول والقلوب الطرية. أنا الشريحة الواسعة والشمعة المضيئة والأم التي تبكي بنيها إن شاكتهم شوكة والأب الذي يحنو ومن يحنو فليقس أحيانا إن أحسن التقدير.
أنا من أنا؟ أنا معلمي الناس الخير، أنا من إنتمى إليَّ المعلم الأول قائلا (إنما بعثت معلما) أنا الأمر الوارد في سورة إقرأ و الخلق السائر في سورة الحجرات والجواب للسؤال الإستنكاري في قوله تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) أنا زارع الورود في حديقة الوطن. أنا مستأصل الشوك في شارع الوطن. أنا الأسد الهصور في غابات الوطن.
أنا الجندي المغوار وراء حدود الوطن.
أنا العين التي تسهر لأجل الوطن. أنا المخطِط والتخطيط لمستقبل الوطن.
أنا التوابل العطرة. والأزهار المتفتحة. والنور القادم من بين الشقوق الضيقة، من خلف الباب ومن أمامه ومع العتمة.
أنا القائل:
Dalkaygow anaa kuugu jirah dirir colaadeede. Darandoorri anigaa uridi hubaan dikaamayne. Dabaashiirta aan wadoh ayaa kuu dabaabadehe.
وأنا صاحب الوصف الجميل.
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا.
أعلمت أشرف وأجل من الذي** يبني وينشئ أنفسا وعقولا.
وأنا من قال عني تلميذي .
أقدم أستاذي على نفس والدي ** وإن نالني من والدي الفضل والشرف.
فهذا مربي الروح والروح جوهر ** وهذا مربي الجسد والجسد كالصدف.
أنا هذا وذاك فإن لم تفهني بعد فاختصر فيّ القول وقل هو من يصلي عليه الله في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النمل في جحرها والحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير) أما تلميذي فلا يمكن أن تصفه الكلمات، ولا أن تحده العبارات، ولا أن تعرِّفه الأبيات وإن جاوزت المتنبي في الشعر والمنفلوطي في النثر وسائر الأدب . إنه صعب التعريف مستحيل التحديد أوسع من الواسع وأحسن من كل حسن وأجمل من كل جميل ولكن إن حاولت – وأنت معذور في تلك المحاولة – فلك أن تقول : ليس فلذة كبدي وإنما هو كبدي، ليس نور عيني ولا بؤبؤها وإنما هو عيني كلها، ليس مني فقط وإنما هو روحي وريحاني.
الأزهار من جمال طلعته تفتحت فألقت إليه التحية وابتسمت لإجلاله فقال الناس من سداجتهم تفتحت أزهارنا. إنه زعيم المجلس المهاب جانبه، وناصية الشرف بل هو الشرف الزائر والسائر. هو نشوة السعادة وطيب العطور ولولاه لما طابت تلك العطور، العرق من جبينه المشرق كإشراقة الشمس في الصباح ينسيك كل العطور ويجعلك تنتشي ذاك الطيب القادم من أعماق جسده. إنه ترنيمة وأي ترنيمة ؟ هو ترنيمة من شجن ولحن خفي يبعث فيك السعادة ويطرد منك الهموم والغموم ببراءته الجميلة. إنه بعث للحياة بمصطلح المستقبل الذي لا أراه كافيا لوصفه، وهو زهرة الربيع وأمطار لكل فصل تنقطع فيه الأمطار.
إنه كنزي والواحة الخضراء في صحرايَ وجدول النهر بل هو النهر كله، وعين الماء العذب في جبلي، والبدر النير في عتمة ليلي . ليالي بدونه معتمة. والأيام نعم الأيام في حضرته أما بعد غيابه فشوقي لا يزول وحنيني لا يبرح ولا يغادر بل يتحول إلى همٍ من أجله وجهي واجم وعقلي شارد. ضحكته سعادة وبكاه سهام طائشة وشكاويه أوامر مجلجلة وربشه وحركاته غير المتزنة تبعث في الفخر لأنني أستأنس فيها بقول حبيبنا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم القائل : (عراقة الطفل في صغره ذكاء له في كبره) . رفرفة أقلامه في دفاتره وتلاعبه بأوراقه تجعلني أتطاير فرحا قائلا : إبني أنت بتلك الرفرفة تداوي جروحي. وتجعلني أنسى همومي وكل أتراحي. فلا تمنعني منها وزد في أفراحي. أنت مناي إبني فابن لي كل صروحي. وسر للعلا وأطلق من السجن صراحي.
إبني التلميذ هو هذا وفوق هذا فلا تعجب في المقالة القادمة عندما يحتد معي في المحاججة والجدال فأنا لا أرضى أن ينكس رأسه ولا أن أسكته بدون إقناع فهو كما رأيتم نعم الولد لي وإن لم يكن من صلبي.