بدأت العلاقة الصومالية السعودية منذ قدم حيث كانت على مر العصور والقرون علاقة تجارة وثقافية بين الشعبين الشقيقين عبر الجسر البحري بين موانئ الصومالية مع موانئ المملكة على ساحل البحر الأحمروبروز ظاهرة الهجرات المتبادلة التي كانت سببا لنقل التجارة والثقافة بين الشعبين.
وتطورت العلاقة وتطدت الروابط بين الشعبين حين بعث النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة حيث دخل الإسلام في الصومال أول مرة مع الهجرة الأولى لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القرن الأفريقي عبر البحر حيث دخلوا البلاد من ميناء زيلع، شمال الأراضي الصومالية، ومن هنا بدأت العلاقة الروحانية التي تربط الصومالين مع أرض الحرمين الشريفين وإزدات ولاء الصومالين شعبا وحكومة مع المملكة، ويتوجه آلاف الصومالين في كل سنة إلى الحرمين الشريفين لأذاء فريضة الحج والعمرة.
ثانيا: متانة العلاقات بين البلدين عند استقلال الصومال: تطورت العلاقات الرسمية بين البلدين فوراستقلال الصومال من الاحتلال الإيطالي والبريطاني عام 1960 ُ، وقد حرصت المملكة مبكرا على توطيد علاقاتها الرسمية مع الصومال منذ استقلال وقبل أن ينضم الصومال إلى جامعة الدول العربية في عام 1974م، وتجسد حرصها في زيارة الملك فصيل بن عبدالعزيزإلى الصومال عام 1962م،والتقى خلالها بأول رئيس الصومال عقب الاستقلال آدم عبدالله عثمان (آدم عدي)، وذلك عند التحضير للمؤتمر الإسلامي الأول الّذي تقرّر فيه تأسيس رابطة العالم الأسلامي.
وفي مقابلة أجريت مع سفير المملكة العربية السعودية في مقديشو نهاية عام 1980م، والتي نشرت في صحيفة المدينة السعودية حيث قال: (لقد كانت الفترة من عام 1977م إلى هذه المرحلة من عمر العلاقات الطويلة بين البلدين زاخرة ومزدهرة بكل المقاييس، وذلك ليس بسبب رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وترقيته لاستيعاب الأماني المشتركة التي برزت وتبلورت في هذه الفترة وحسب، بل أيضاً بسبب قنوات الاتصال المباشرة، والوفود المتبادلة، وازدياد اتصالات التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا المحلية والدولية والإسلامية والعربية)
ثالثا: جهود المملكة للمصالحة : بعد انهيار الدولة الصومالية مثلت السعودية بمثابة الأخ الأكبر لصومال في زمن وقع الصومال ضحية لنزاع الأشقاء من جهة ولصراعات القوى الخارجة من جهت أخرى ، وبذلت السعودية جهودا ومبادرات عدة لجمع وتقريب بين الرؤى الأطراف الصومالية المتنازعة، ومن مقدمة لتلك الجهود مبادرة جدة، حيث سعت القيادات الصومالية المتصالحة لأن تكون المملكة هي الضامن الأساسي لاتفاق المصالحة وهو الأمر الذي عبر عنه الرئيس الصومالي عبدالله يوسف أحمد بقوله (لقد كانت المساعدات السعودية السخية طوق النجاة لإنقاذ الغريق الذي يتفرج عليه الجميع ولا من مغيث) كما شاركت المملكة في جميع مؤتمرات المصالحة بين الأطراف الصومالية،وكانت جهود السعودية تجاه المصالحة الصومالية لعبت دورا إجابيا بكل مقاييس حيث كان تتماشى مع المصالح الصومالية دون أجندات خارجية.
وإهتماما للظروف التي تمر بها الصومال، طالبت قمة جدة في مايو 2023م، من الدول العربية بإعفاء الصومال من ديونه، وذلك دعماً لاقتصاد البلاد وتمكيناً لها، من الاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، كما أكّدت القادة العرب في ختام القمة العربية دعم وحدة الصومال وسيادة أراضيه براً وبحراً وجواً.
وأخذت العلاقات بين الصومال والسعودية تتطورأ ملحوظا على مخلتف المجالات بعد أن قررت السعودية إعادة فتح سفارتها لدى الصومال من جديد بعد غياب طال ثلاثة العقود بسبب الحرب الأهلية في الصومال، وأعربت خارجية السعودية تطلعها ( تعزيز العمل المشتركة بين البلدين الدفع بها نحو آفاق أرحب بما يحقق مزيدا من النماء والإزدهار للبدين الشقيقين).
رابعا: مجال الأغاثي : وفي مجال المساعدات الأنسانية والإغاثة لمتضررين في الصومال، مازلت في ذاكرة الصومالين جهود اللمملكة العربية السعودية لمساعدة المنكوبين خلال المجاعات والفيضانات التى ضربت في البلاد خلال سنوات 1991، 2011، 2016، ثم عام 2023 ، حيث قدمت المملكة عبر منظماتها الإغاثية مساعات إنسانية كبيرة تحتوي من مختلف المواد االإغاثه مما أدى انقاذ حياة مئات الآللاف الصوماليين، ومن أبرز هذه المنظمات العاملة في الصومال ، منظمة الندوة العالمية لشباب الإسلامي التي لعبت دورا محوريا في توصيل المساعدات الأنسانية وتعزيز التعليم والتوعية في الصومال.
ولتطوير هذا الملف الأنساني افتتحت المملكة في الصومال مكتبا تابعا لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنساية لتنفيذ برامج إغاثية متنوعة شملت المجالات الصحة والأغاثة مع جهود في المجالات التعليمية والاجتماعية الرامية لدعم استعادت الصومل عافيتها من جديد بعد حروب طالت في البلاد التي زالت الاخضر واليابس وقضت الحرث والنسل، وفي منتصف هذا الشهر دشن رئيس الوزراء الصومال السيد حمزة عبد بري برفقة سفير المملكة لدى الصومال السيد أحمد بن محمد المولد بنك الدم الوطني في مقديشو العاصمة، بدعم كامل من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالتعاون مع وزارة الصحة الصومالية،ويعتبر مثل هذا المشاريع من المشروعات ذات أهمية بالغة لشعب الصومال ويساهم بشكل كبير في إنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ حيث كان يواجه العديد من المواطنين خطر الموت بسبب شح الدم في المستشفيات العاصمة.
خامسا: مجال الأمن : ويُضاف إلى المحاور السابقة محور الأمن حيث تتعاون السعودية مع الصومال في تعزيز أمن جنوب البحر الأحمر وخليج عدن لمحاربة الإرهاب والتهريب بكافة أنواعه ومواجه تهديدات خطوط الملاحة البحرية الدولية،حيث تتمتع الصومال بأهمية أستراتيجية بالغة الأهمية بسبب موقعها الأستراتيجي المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن،ويطلق بها حزام للأمن العربي، حيث تمرعبرها السفن التجارية العملاقة المتنقلة بين قارات العالم وخصوصا بعد شق قناة السويس في 17 نوفمبر سنة 1879 واكتشاف البترول في الخليج والجزيرةالعربية.كما أن السعودية والصومال عضوان في مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن،الذي دعت به المملكة بتأسيسه عام 2020م.
وفي إطار جهود التعاون الأمني بين البلدين وقعت الصومال أتفاقية أمنية مع السعودية في عام المنصرف في الرياض، حيث تركزت عدد من المحاور كمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية وبناء القدرات الأمنية.
خلاصة : لعبت جهود المملكة العربية السعودية في الصومال دورا إيجابيا في مجالات مختلفة كالمصالحة الوطنية والتعليم والإغاثة والتعان الأمني، كما ساهمت المملكة مجال التنمية وإعادة التعمير من خلال تمويل الصندوق السعودي للتنمية، لأكثر من 162 مشروعاً في قطاعات الأمن الغذائي والزراعي، والصحة والتعافي المبكر، والمياه والإصحاح البيئي، وتأتي كل هذه الجهود المباركة من خلال الرؤية المملكة التى تستهدف استعادة الصومال مكانته ودوره التاريخي.
المصادر:
- الصومال والسعودية: مراحل تطوير العلاقات التاريخية،عمر عبد ، الصومال الجديد، 2020\02\5.
- الصومال : قصة الأسلام في شرق إفريقيا، د. ليلى حمدان تبيان، 2020-07\23.
- بنّاءة ومتنوعة.. ما أشكال دعم المملكة للصومال؟محمد صالح ، صحيفة سبق، 2024\04\07م.
- أهمية الصومال سعوديا ، البيان، 18\09\2007م.
- الخارجة السعودية ، 19\11\2021.
- رئيس الوزراء الصومال يفتتح بنك الدم الوطني في مقديشو، وكالة الأنباء صونا ، 16\09\2024.
- الصومال والسعودية: علاقات تاريخية ومصالح مشتركة ، مستقل ميديا ،05\ 24\2022.
- العلاقات السعودوية الصومالية تنسيق لتعزيز الأمن والأستقرار، اسلام جمال ، الخليج العربي، 07\04\2024.
- السعودية الداعم الأول للقضية الصومالية سياسيا واجتماعيا .. مؤتمر جدة نموذجا، بدر الجبل، سبق، 07\04\2024.
- الصومال عمق أستراتيجي وجزام للأمن العربي ، عبدالرحمن عبدي ، مركز مقديشو، 02\26\2015.
- بعد 30 .. سفير جديد للسعودية يقدم أوراقة في الصومال، العين الأخبارية، 2022/1/18.
- صدور بيان مشترك في ختام زيارة رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية للممكلة ، الخارجية السعودية، 11\07\2023.
بقلم: د. أحمد طاهر شافي محمد ، المحلل السياسي.