في أعماق شرق الصومال، تواجه بونتلاند معركة شاقة ضد تنظيم داعش، الذي وجد في التضاريس الوعرة في المنطقة ملاذاً آمناً لاستعادة قوته وتنظيم صفوفه. هذه الحملة العسكرية ليست مجرد حرب تقليدية؛ إنها جهد استراتيجي متعدد الجوانب يهدف إلى القضاء على أحد أكثر التهديدات تطرفاً واستدامةً في المنطقة. ولكن، كيف يمكن لحكومة بونتلاند أن تواجه هذا التحدي الهائل؟ وكيف يتفاعل المجتمع الصومالي، والدول الحليفة، والمجتمع الدولي مع هذه المواجهة؟
لقد مرّ عقد كامل على ظهور تنظيم “الدولة” في الصومال، الذي أعلن مبايعته لعبد القادر مومن، القيادي المنشق عن حركة الشباب المجاهدين، كزعيم له في عام 2015. وفي الآونة الأخيرة، عاد التنظيم إلى الواجهة، حيث أشارت التقارير الأخيرة إلى أن مومن يشغل منصب القيادي العام للتنظيم الدولي، مما أثار مخاوف متزايدة بشأن تنامي نفوذه العسكري وما يمثله من تهديد لاستقرار وأمن المنطقة.
في هذا السياق، أطلقت مجموعة الأزمات الدولية تحذيرًا في تقريرها الصادر في سبتمبر 2024، حيث سلطت الضوء على قدرة تنظيم “الدولة” في الصومال على إعادة تشكيل صفوفه، مستفيدًا من تحقيقه مكاسب ميدانية في مناطق شرق ولاية بونتلاند المحلية.
الأهداف: بناء جدار منيع ضد الإرهاب
تتمثل الأهداف الأساسية لحملة بونتلاند ضد داعش في ثلاثة محاور رئيسية. الأول، ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال القضاء على معاقل التنظيم ومراكز تدريبه. الثاني، قطع الطرق التي يستغلها الإرهابيون للتمويل والتجنيد، سواء من خلال التجارة غير المشروعة أو التعاون مع جماعات إرهابية دولية. والثالث، منع تسلل التنظيم إلى مناطق أوسع من الصومال أو حتى القرن الإفريقي. هذه الأهداف تشكل أساس الاستراتيجية الأمنية التي تسعى إلى تحقيقها الحكومة في مواجهة تنظيم يعرف بمكره واستغلاله للثغرات.
الفعالية: ميزان الحرب والدعم الدولي
على الرغم من محدودية الموارد المحلية، فإن بونتلاند أظهرت قدرة ملحوظة على تنظيم عمليات عسكرية ضد داعش. يعود جزء كبير من هذه الفعالية إلى دعم الحلفاء الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات. تقدم واشنطن، عبر قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، مساعدات لوجستية واستخباراتية وتكنولوجية متقدمة تشمل الطائرات المسيرة وأنظمة الرصد. أما بريطانيا، فتساهم في تدريب القوات الصومالية وتزويدها بالمعدات الحديثة، في حين توفر الإمارات دعماً مالياً يساعد في بناء البنية التحتية الأمنية.
رغم هذه الجهود، فإن الحملة لا تزال تواجه تحديات كبيرة. الجغرافيا الوعرة في بونتلاند، وافتقار المنطقة إلى موارد طبيعية كافية لتمويل الحرب، تجعل الصراع أشبه بمعركة ضد الزمن. ولكن التنسيق مع الحلفاء الدولييين عزز فعالية العمليات، ما أدى إلى تقليص نفوذ التنظيم في العديد من المناطق.
التأثير على المجتمع: بين الأمل والمعاناة
الحملة العسكرية ضد داعش ليست مجرد معركة على الجبهات الأمامية؛ إنها أيضاً معركة تترك بصماتها العميقة على حياة المواطنين. في بوصاصو وغيرها من المدن الرئيسية، تعرضت الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والأمن لضغوط هائلة بسبب النزاع. كما تسبب النزوح الجماعي للمدنيين في تفاقم الأزمات الإنسانية، مما جعل التحديات الاقتصادية والاجتماعية أكثر تعقيداً.
ورغم ذلك، فإن الأمل يلوح في الأفق. نجاح الحملة قد يعني فتح آفاق جديدة للتنمية والاستثمار في بونتلاند. المنطقة، التي تتمتع بموقع استراتيجي يطل على المحيط الهندي وباب المندب، قد تصبح مركزاً اقتصادياً وسياحياً إذا تم تحقيق السلام.
الدعم الدولي: شراكة حيوية لمواجهة الإرهاب
الدور الذي يلعبه المجتمع الدولي في دعم بونتلاند لا يمكن التقليل من شأنه. الولايات المتحدة، من خلال أفريكوم، ليست مجرد شريك عسكري؛ إنها مورد رئيسي للتكنولوجيا الحديثة التي تمكن القوات المحلية من استهداف التنظيم بفعالية. بريطانيا، التي تدرك أهمية بونتلاند كمنطقة استراتيجية، تضيف إلى هذا الدعم ببرامج تدريبية متقدمة. أما الإمارات، فتساهم ليس فقط بالأموال، ولكن أيضاً برؤية طويلة الأمد لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
نظرة مستقبلية: بناء السلام والتنمية
مع استمرار الحملة ضد داعش، يظل السؤال الأهم هو: كيف يمكن ترجمة النجاح العسكري إلى سلام دائم؟ الإجابة تكمن في الاستثمار في المجتمع المحلي. إذا استطاعت بونتلاند جذب الاستثمارات إلى قطاعات مثل الزراعة، وصيد الأسماك، والطاقة، والمعادن، فإن ذلك يمكن أن يعيد بناء المجتمعات المتضررة من النزاع. كما أن تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات الأساسية سيعزز من قدرة السكان على استعادة حياتهم.
في مواجهة التحديات الأمنية والإرهاب، يلعب العلماء في الصومال دورًا حيويًا كحائط صد فكري، متجاوزين أدوارهم التقليدية إلى قيادة جهود التوعية وتعزيز الأمن الفكري. من خلال خطبهم وبرامجهم التعليمية والإعلامية، يفضحون زيف أيديولوجيات التطرف وينشرون فهمًا للإسلام قائمًا على السلام والتعايش. بهذا، يساهمون في بناء مجتمع أكثر وعيًا، وتفكيك خطابات الكراهية، وتأسيس جبهة فكرية قوية تحمي الشباب وتدعم استقرار البلاد.
في النهاية، حملة بونتلاند ضد داعش ليست مجرد مواجهة مع تنظيم إرهابي؛ إنها اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على بناء مستقبل مستدام لشعبها. بدعم الحلفاء الدوليين وإرادة الشعب، يمكن أن تصبح بونتلاند نموذجاً يحتذى به في مكافحة الإرهاب والتنمية في منطقة القرن الإفريقي.
الاستاذ محمد شعيب