يا معلمي كان تلميذك يشبهك تماما في المظهر الحسن, جذاب وذكي للغاية, فصيح اللسان, ذو هيبة ووقار, لكن الفرق بينكما كان بسيطا جدا , كالفرق بين أي جيلين مختلفين , تأثرت بالصوفية وكانت سيدة المكان بوقتك.
وفي أيامك لم نكن لنعرف تيارات فكرية مختلفة, إما أن تكون شيخا صوفيا يرتل تراتيله البردية ويؤمن كلمات الشيخ جيلاني , أو تكون عاميا لا يقرأ ولا يكتب , ويسمى بالعامية (ورنلي) وكان لقبك المفضل (وداد).
وذات مرة قال لي معلم آخر: ما يسمى (وداد) كانت سخرية للشيوخ , لأنهم كانو معطلين عن الأدوار الإجتماعية غير تعليم القرآن وعقد القران, وتلقين المحتضرين بالتوحيد , وكلمة وداد تعنى بصومالية (ود) وتعني الموت (أد) تعني (اذهب ) يعني إذهب ولقن المحتضر, بمعنى آخر لا مجال لك في الأدوار الاجتماعية الأخرى.
المهم يا معلمي زادت شعبيتك بعد وفاتك تماما , بعدما رأينا تلميذك الذى تأثر بأفكار الصحوة الإسلامية المعاصرة, وخاض المعارك الفكرية الجديدة , لكنه لا يقدر أن يواجهك حيا لأنه يخجل أن يفتخر بأنك معلمه لأن أفكاره الجديدة تأبى ذلك , تلميذك خالف العرف الذى كنت تقدسه وتقول: (من خالف العرف له الغضب من الرب) فمثلا تلميذك أثار الجدل في الوسط , ولم يكتف بذلك بل فعل بنا ما فعل!.
يا معلمي في زمانك كل شيء كان بسيطا في الأفكار والتعامل والتسامح والتعايش أما في زمن طالبك تغير كل شئ وصار أكثر تعقيدا , تعقيدات في الدين , مفاهيم لا يفهم , نقاشات عن الحجاب وعن أبسط الأشياء حتى جعل كل من لا يفهم تعقيداته كافرا أو فاسقا , واختلط الوسط , وتاه الناس بين التكفير وإضلال المفاهيم , ولم يقتصر بفعل ذالك بل أسس الخلوات القرانية المعاصرة , ونشأ جيلا كلهم حفاط القران , لكن لا يفهمون مفاهيم ومقاصد الشريعة الأساسيىة , جيلا يكفر سابقه , ولا يعرف أين ينتمي, جيلا تعيش أجسادهم بأرضنا, وعقولهم بمكان آخر , جيلا يخجل انتمائه لصوفيتك التي كنت تقدسها أنت.
يا معلمي سأخبرك سرا لو سمعت بها لفزعت فزعا من قبرك, قلت لك مازحا لم يكن لديك المعرفة بما فيه الكفاية, إتهمتك أنك غير مؤهل علميا , لكن المضحك يا سيدى أن تلميدك لم تنفعه الشهادات ولم يكن علمه مباركا كما كان في زمانك, كان مسواكك وسيلة للتوبيخ لكن تغير الحال وزاد عنف طالبك تجاه طلابه بل ويضرب حد الجنون ولا يعرف السبب! هل لأن الطالب نسي آية حفطها بدون فهم , أم أن العنف أصبح وسيلة للتأديب, أم أنه ليس في جعبة طالبك رسالة يوصلها لطالبه, أم أنك عنفته ذات يوم من غير قصد وسببت له عقدة نفسية لينتقم من يربيه بعدك .
أحيانا تراودنى أسئلة كثيرة يا معلمى , أود لو ألقاك ولو مرة , لنناقش ونحلل نفسية طالبك معا, ألم يفهم طالبك أن العلم أمانة عظيمة يتقرب به إلى الله أم أنك لم تساعده في فهم ذلك أم نمط الحياة تغير.
يا معلمي فى العالم اليوم لا يضرب الأطفال بحفظ الدروس ولا بالقرآن, يتخرجون والقرآن غير سلوكهم وتفكيرهم, بينما طالب تلميذك حافظ بكتاب الله والصحيحين ولا يحترم محارم الله, يكذب ويقتل ويسرق ويغش ويظهر في الأرض فسادا.
يا معلمي أنا متأكدة أننا لا نلتقى أبدا ,لأن الله أختارك لذمته، كانت مجرد أمنية، وددت لو أعرف أين الخلل لكنني اكتشفت الذنب ليس على تلميذك فحسب بل الآباء اليوم لا يهتمون بتربية أبنائهم لا يعرفون من وسائل التربية غير العنف مند الصغر, يضربون ويشتمون, ويقللون الأدب مع الطفل, ولا يحترمون قدراته .
يا معلمي لا نبرر أفعال تلميذك, لكن الوضع مخجل, ولو استمرينا فى هذا الوضع فلن نتغير للأفضل بل سننشأ جيلا ليس له رؤية ولا رسالة في هذه الحياة ,جيلا لا يصلح للدارين .
وسنخسر ما تبقى لنا من بركاتك, وبما أنك غير موجود بيننا سنناقش فيما بيننا ونحلل مشاكلنا ,والحديث معك كان ممتعا وأراحني كثيرا.
أعتدر لإزعاجك يا معلمي ونلتقى فى ظروف أفضل بإذن الله. سلام على روحك الطاهرة.
محبتي وتقديرى لك .