كنا نقول منذ مدة طويلة ان الصومال في مفترق الطريق حيث كان الأمل دوما ان تنتهج نهج الحكم الرشيد والديمقراطية الذي ينبني على التوافق بين شعبها
وايضا كانت الصومال على مفترق الطرق من حيث إعادة التنظيم لأمنها للذبّ عن حوضها ضد حركة الشباب المرتبطة مباشرة بتنظيم القاعدة.
وفي عام 2012 عندما تم انتخابي رئيسا للبلاد، كان اهم محور للاركان الستة من ضمن خطتنا ان نحارب اولا ضد شر الإرهاب الذي جعل كلا من شعبنا وتنمية وطننا أسيرا له،وفي نفس الوقت كان علينا إنشاء للحكومة الآليات لتعمل بصورة فعّالة من بينها انشاء مكاتب حكومية عاملة،وكان من الواضح أيضا ان الصومال لايمكن الدفاع عنها بمجرد قوة فقط.
وفي عام 2012 كان المفتاح للتوافقنا الاجتماعي الجديد بين الشعب الصومالي والحكومة خلق الثقة وتقديم الخدمات العامة حيث كان المحور الأمني هو الأهم.
وهذا لم يتسنّ الا بالتوزاي مع انتهاء من تأسيس نظام فيدرالي لحكومة فاعلة والتي تمثّل عن الشعب الصومالي كافة.
وفي عام 2017 عندما سلّمت السلطة بسلام كانت الحكومة تعمل بكامل طاقتها وكما تم انتهاء من الصعيد السياسي لعملية فدرلة البلاد بإنشاء اربع ولايات حكومية جديدة.
بعد عقود من ظاهرة الانتماء العشائري والارتياب والعنف أصبح الجيش الوطني الصومالي جيشا له زيه الرسمي الموحّد تحكمه مبادئ الدفاع الوطني.
ولأول مرة تم وضع سياسات واستراتيجيات معا لمحاربة حركة الشباب واستئصالها من الصومال وأراضي شركائنا الاقليميين.
ببدأنّ ما كان يقدّمه المجتمع الدولي منذ عام 2017 من ضخّ استثمارات هائلة في التمويل وبناء القدرات الا انّ الجيش الوطني لا يزال غير قادر على استلام مهام أمن البلاد بالكامل من قوات حفظ السلام (AMISOM) بسبب عدم القدرة القتالية والقيادة المهنيّة وذلك بسبب تسييس إدارة فرماجو للجيش.
وقد تعهّد فرماجو استئصال حركة الشباب من الصومال بعد سنتين فقط من انتخابه.
كما وعد ضحايا الإرهاب من حكومته ان يقدم لهم تعويضات في أسرع وقت ممكن.
ولكن، هذا ما يكشف النقاب عن نقض عهد آخر لأنّه تم توقيع اتفاقية خطة انتقالية جديدة مع بعثة الاتحاد الافريقي في مارس 2022 ليتم تنفيذ الاتفاقية ابتداء من اول يوم شهر أبريل 2022 لغاية نهاية عام 2023.
وانّ هذه الاتفاقية لدليل على استمرار عودة شوكة الشباب والفشل الذريع لإستراتيجية الأمن القومي، أمر كان من الممكن اجتنابه لو لم يكن فرماجو يكرّس نفسه لتقويض عملية فدرلة الحكم.
ولا يتسنّى وضع حيز التنفيذ للانتقال العملي للامن القومي إلى الجيش الوطني الصومالي بدون التعاون الكامل والتناغم والمشاركة من قبل ألولايات الحكومية.
لست مجادلا حول ان كل شيء كان على مايرام خلال فترة رئاستي ولكن كان ينبغي أن تكون الصومال في عام 2022 اكثر أمانا من بطش الشباب وأفضل إندماجا وحكما كدولة فيدرالية.
والطامة الكبرى هي أن الفترة مابين 2017 و 2022 كانت فرصة ضائعة لأجل إنهاء مرحلة دمج الجيش الصومالي واضعاف الشباب وخلق تناغم سياسي داخلي لإستغلال من فرص الإصلاحات الاقتصاديه التي قامت بها حكومتي.
واليوم ومما لاغبار فيه ان الأهداف التي بدأنا بها في 2012 كأول حكومة معترف بها دوليا منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 1991 لم تكملها وتحقّقها بعدُ هذه الحكومة المنتهية ولايايتها التي حصلت على مساعدات دولية على نطاق غير مسبوق خلال أربعة أعوام.
كانت حكومة فرماجو بارعة في فن التشهير وتضليل رأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي الا انه لم يكن هناك شيء ذو فحوى والجديّة في معالجة الأسباب الجذرية لهشاشة الصومال اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
ومن القضايا المحورية لإدارة الصومال مستقرة تعمل بشكل سلس هي انسجام الحكم من خلال وضع الصيغة النهائية للدستور المؤقت، وهذا الأمر ضروري جدا لأنه- رغم الهيكل الفيدرالي للبلاد – فرماجو عمل بكامل قوته على تقويض نظرية النظام الاتحادي لفرض رؤيته الوحدوية الخاصة على البلاد حيث تدهورت علاقة الحكومة المركزية مع ألاقاليم الحكومية لدرجة لم يتمكّن من حدوث التعاون والحوار الهادفين خلال ثلاث السنوات الماضية، وقد نجم هذا النهج لبناء الدولة عن تشتّت الثقة على المستويات السياسية قاطبة.
وانتهت فترة ولاية فرماجو الشرعية في 8 من فبراير عام 2021، كما هزمت محاولته الفاشلة لتمديد فترة رئاسته لعامين إثر ضجة عارمة من قبل الشعب الصومالي والمجتمع الدولي.
واعقب ذلك محاولته لإغلاق مكتب رئيس الوزراء أمام رئيس الوزراء، خطوة اتفق عليها مجلس الوزراء انها كانت محاولة انقلابية غير شرعية.
ومن الواضح أن هذا النهج الاستبدادي الذي لاهوادة فيه لم يؤجّل فقط العمليه الانتخابية بل سمّم الثقافة والممارسة الديمقراطية في الصومال والتي كانت دوما تؤدي إلى انتقال سلمي للسلطة في الانتخابات المتعاقبة السابقة.
ومما يزيد قلقا، كان نموذج الحكم الفيدرالي الصومالي المتفق عليه معرضا للخطر من قبل خطوات فرماجو المدمّرة الأحادية الجانب والتي افضت في كثير من الحالات إلى تسييس القوات الصومالية المدرّبة في خارج البلاد واستغلالها في مآربه السياسية.
وأعتقد بقوّة ان الاحساس بالعدالة السياسية وادراك الناس بوسعهم على تغيير قيادتهم بعد كل اربع سنوات دون شروط مسبقة سيعزّز ذلك الديمقراطية في الصومال وسيجبر الطامحين للإستبدادية على الانسحاب، وقد تجاهل فرماجو متغطرسا انّ الصومال لايمكن حكمها الا بالتراضي.
والتحديات التي تواجهها الصومال معقّدة، بينما تم التحقيق لبعض التقدّم في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته حكومتي عام 2015 الا اننا نعيش في وضع تقوم الشباب بجباية الضرائب والايرادات القومية من المواطنين اكثر من الحكومة المركزية طبقا لمصادر استخباراتية أمنية موثوقة ومصادر اعلامية مستقلة.
كما نلاحظ أيضا النزاع المفتوح على الأراضي بين الشباب وداعش في ارجاء البلاد، مؤخرا أجبر النزاع التجار على إغلاق متاجرهم في أكبر سوق بالعاصمة مقديشو والذي يعدّ من أعلى المنتجين للموارد المحلية في البلاد ،ويستفحل الوضع مع استمرار الصومال مدرجة في ذيل مؤشرات الحكم الرشيد ومكافحة الفساد في العالم بينما يعيش اكثر من 70٪من سكان البلاد تحت وطأة الفقر وفقا للبنك الدولي.
وقد تصاعد العنف بدوافع سياسية مع تأجيل الانتخابات الذي تمخّض عن عطل سير العملية الانتخابية وإزهاق أرواح مرشّحين طامحين كالحادثة التي حصلت في بلدوين في 23 من مارس 2022 والتي راح ضحيتها العديد من ألابرياء من بينهم النائية البارزة المعارضة والتي كانت أيضا مناضلة قوية ضد التصرّفات العدوانية السافرة التي تقوم بها إدارة فرماجو.
وقد تدهور الآن الوضع الأمني حتى شوهد تحذير وكالة المخابرات والأمن الوطنية (نيسا) – التي تم تسييسها بشكل غير مسبوق – من تهديدات وشيكة لحركة الشباب ضد حياة فرماجو وروبلي حسبما نشرت وكالة (نيسا) على حسابها بتويتر،وهل هذا يعني تهديد لامفرّ منه ام يقصدون وراءه لمزيد من التأجيل للعملية الانتخابية؟ وفي كلتا الحالتين، انّ وكالة( نيسا) المسيّسة تشكّل خطرا يهدّد على حياة الشعب الصومالي.
إضافة إلى ذلك، وقد حصل مؤخرا لأول مرة أول هجوم الذي تشنّه حركة الشباب داخل المجمع الدولي الآمن في محيط المطار والذي أعلنت مسؤوليته،وهناك أيضا حادثة أخرى التي تزيد القلق والتي حدثت في فندق المطار الآمن والتي وصفت بشكل موثوق بمحاولة إغتيال لرئيس مجلس الشعب المؤقّت عبدالسلام (طبنعدي) والذي كان يؤدي مهامه لتعجيل العملية الانتخابية لرئيس مجلس الشعب الصومالي.
وهذا نموذج الفشل الأمني لإدارة فرماجو.
واعرب قلقي تجاه الصومال في ظل الازمة الاقتصاديه الكبيرة في العالم والتي نتجت عن جائحة كرونا فيروس، والصدمات المناخية الإقليمية المتكرّرة، والحرب الاوكرانية، ونقص الموارد المتاحة لدعم الدول الهشّة، فالصومال في خطر لتكون ضحية فيما يعرف بمرض تعب التراحم.
في حين لم يكن كل شيء عثرة الحكومة الصومالية فمن الواضح انّه من المطلوب وضع خيارات سياسية افضل لضمان استغلال الشعب الصومالي من المشاريع التنموية المتاحة لهم.
الصومال بحاجة ماسة لنهج متكامل لصنع السياسات يشمل بوضوح على مشاركة نشطة وانخراط ألاقاليم الحكومية لإنجاز التنفيذ الفعّال لإستراتيجية الأمن القومي والتي تنصّ بشكل واضح على الأدوار والمسؤوليات مع استئصال جذور معضلة الإرهاب المحلي.
وتحتل الصومال أيضا موقعا استراتيجيا حيث من الممكن أن تكون مركزا للتجارة الدولية مع الاستغلال من مختلف الموارد الأخرى المتاحة، ولذلك وسيحتاح هذا الأمر مرة أخرى من قبل الحكومة المركزية إلى التحول من التنافر إلى التعاون مع ألولايات الحكومية.
ومن المتوقع ان يكون للصومال رئيس في غصون اسابيع قليلة مع فترة رئاسية جديدة وستكون المهام حافلة بأولويات عاجلة التي تشمل على جميع الميادين السياسة العامة، وأهم ما في الأمر أن الرئيس الجديد يستوعب انه جزء في إنجاز مهام معقدة والتي تحتاج للعمل الجماعي لصالح المصلحة القومية للوصول لنتائج مثمرة.
وبدون ذلك لن يكون هناك طريقة لحل الوضع الصومالي المأزوم اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا.
ومازالت الصومال في حالة دولة هشة وفي طريقها إلى التعافي حيث لبناء الثقة أهمية قصوى ، ومسؤولية اية حكومة قادمة هي توحيد الامة وتضميد الانقسامات والندوب التي سببها فرماجو المنتهية ولايته في السنوات الخمس الماضية.
وقد شجّعني كثيرا طاقة وصمود الشعب الصومالي الذي أظهر المثابرة والنضج لإمتصاص المأزق السياسي المدمر والذي اختلقه فرماجو.
أما الآن فينبغي للصومال ان تمضي قدما لبناء مستقبل شامل يعزّز تنمية الشعب.
بقلم: حسن شيخ محمود
الرئيس الصومالي السابق من 2012 إلى 2017، والمرشّح الرئاسي في 2022.
ترجمه من الانجليزية إلى العربية:
م. مصطفى إسحاق علي
كاتب ومترجم صومالي مستقل
واصل المقال منشور في موقع هيران اونلاين:
https://www.hiiraan.com/op4/2022/apr/186015/somalia_s_federalism_must_be_saved_from_dictatorship.aspx