رسالة الإسلام عالمية عابرة للقارات، وصالحة لكل زمان ومكان، وتحقق حاجة البشر الدينية والدنيوية في جميع المجالات، وتوفر لهم أمنًا وأمانًا واستقرارًا في أنفسهم وأموالهم وأوطانهم، وتنشر العدل والمساواة فيما بينهم، وتعامل الناس حسب عطائهم وكفاءتهم، وتحارب الطبقية والعنصرية بكل أشكالها وأنواعها.
والدعوة إليه واجب شرعي ومسؤولية أخلاقية لكل من يحمل علمًا شرعيًا ويتمتع بخلق سويّ، والدعاة لا لون لهم ولا حدود، فهم من أفضل الخلق وأحسن الناس عملًا؛ لأنهم نواب الرسول – صلى الله عليه وسلم – في إبلاغ رسالته وبيان منهجه علمًا وعملًا وقدوة.
وأما أسلوب الدعوة وطرق توصيلها ووسائل تحقيقها فليست توقيفية، بل مرنة وقابلة للتطوير والتجديد كلما دعت الحاجة إلى ذلك، فهي تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال والعوائد، وتتأقلم وتستجيب لظروف وأحوال المدعوين في حِلّهم وتَرحالهم، وفي حالة عسرهم ويسرهم؛ لأن الهدف من مزاولتها هو تعليم الناس وتكثير الخير وتقليل الشر.
وصل الإسلام الصومال منذ القرون الأولى للهجرة، وأما وصول الحركات الدعوية فكان متأخرًا، فوصلت الطرق الصوفية كالقادرية (من العراق) والأحمدية والصالحية (من السودان ومكة المكرمة) قبل أقل من قرنَين.
أوّل من مارس الدعوة وزاولها هم الأنبياء والرسل، ثم تسلم الراية من بعدهم العلماء وطلبة العلم جيلًا بعد جيل بصورة فردية أو جماعية، ثم تأسست المدارس الفقهية والمحاضر العلمية من أجل تطوير أسلوب الدعوة ومواكبة تغير أحوال الناس في كل وقت وحين.
وأخيرًا ظهرت حركات ومؤسسات ومنظمات دعوية وتوجيهية، لها قيادات ومجالس إدارية وفروع ومكاتب، تسعى لارتقاء الدعوة وتوسيع دائرتها بقالب مؤسسي وتنظيمي، استجابة لحاجة بلدانها، ولكن أرباب هذه الحركات اعتقدوا بأن أيديولوجياتها وأساليب عملها صالحة لكل بقعة في المعمورة ما دام الهدف نبيلًا والمقصد شريفًا، لذا سعت لتصدير أفكارها وتأسيس مدارس ومنظمات تنشر أفكارها في البيئة المستهدفة.
هذه فكرة صحيحة وصائبة، إلا أنها لا تصلح لكل بيئة ومنطقة، فإن أينعت وأثمرت في مكان ما، فلا يجري هذا القانون على كل بقعة من الأرض، لأن لكل بيئة خصوصيتها وحاجتها وتفكيرها الخاص بها، ولذا من السذاجة محاولة تطبيق تجارب الآخرين واجتهاداتهم التي تخصهم وتصلح لهم على غيرهم بدون تمحيص وتصحيح.
ولو اقتصر الأمر على مساهمة نشر الدعوة دون التدخل في طرق أدائها لكان الخطب سهلًا، ولكن هذه الحركات لها أجندتها الخاصة بها في تلميع صورتها وتكثير أتباعها ومؤيديها، ولأجل تحقيق ذلك تستخدم المال لترويج أفكارها وبسط نفوذها، ولا تمول إلا من يتقيد بأوامرها ولا يخرج عن خطها، وكل من لا يتماهى في أطروحاتها فلا يدخل في اهتماماتها، ولو قاد مشروعًا دعويًا ناجحًا.
هذه المقدمة بمثابة ديباجة للحديث عن عنوان المقالة..
من العدل والإنصاف الاعتراف بأن هذه الحركات ساهمت في انتعاش الدعوة، ورفع الوعي المجتمعي، وبناء المدارس، ونشر العلم، وغير ذلك من المحاسن التي يطول عدُّها .
وصل الإسلام إلى الصومال منذ القرون الأولى للهجرة، وأما وصول الحركات الدعوية فكان متأخرًا، فوصلت الطرق الصوفية كالقادرية (من العراق) والأحمدية والصالحية (من السودان ومكة المكرمة) قبل أقل من قرنَين، وأما الاتجاهات الأخرى كالوهابية (من السعودية)، والإخوان المسلمين (من مصر)، وجماعة التبليغ (من شبه القارة الهندية)، فنشاطهم الدعوي لا يزيد عمره عن ثلثَي قرن.
لا يقتصر هدف هذه الحركات على تنشيط الدعوة ومساعدة الدعاة وبناء المدارس بدون مقابل، بل عملت على زرع أفراد ومجموعات أو مؤسسات تدين لها بالطاعة من أجل تكثير أعضائها والمنتسبين إليها ممن لا يخرجون عن إطارها الفكري، ويتقيدون بدراسة ونشر المؤلفات والمنشورات والكتيبات التي يصدرها قادة هذه الحركات.
ومن العدل والإنصاف الاعتراف بأن هذه الحركات ساهمت في انتعاش الدعوة، ورفع الوعي المجتمعي، وبناء المدارس، ونشر العلم، وغير ذلك من المحاسن التي يطول عدُّها.
وفي المقابل أوجدت أفكار هذه الحركات المستوردة من الخارج خلافًا ونزاعًا لا نهاية له بين العلماء والدعاة، وحولت الساحة إلى ميدان للتنافس المذموم، والاستقطاب الحزبي، واحتكار الحقيقة، وتوزيع التهم من أجل إيهام العامة بأن الجماعة الفلانية هي الوحيدة والمؤهلة للتصدُّر في ميدان الدعوة ومخاطبة الجماهير، حتى أصبح العامة جزءًا من هذا الخلاف من أجل مناصرة مشايخهم ودعاتهم.
الخلاف بين منتسبي الطرق الصوفية من القادرية والصالحية والأحمدية لم يوجد له علاج منذ زمن بعيد، وأما الخلاف بين السلفية، وحركة الإصلاح (فرع إخوان الصومال)، فيزداد ضراوة يومًا بعد يوم، وليس في الأفق ما يدل على تخفيف تأثيره في المنظور القريب.
إذا أراد العلماء والدعاة تطوير وتنشيط الدعوة من جديد، فلا بد من تأسيس منتدى دعوي يلبي حاجة المجتمع الصومالي، ويجمع الجهود المتنافرة في قالب متوافَق عليه، ثم يعتمد على التمويل الذاتي والداخلي لقطع الطريق على الأفكار المستوردة من الخارج
أكبر اختبار تواجهه المؤسسات الدعوية الصومالية بكل اتجاهاتها عامة، وحركتا الإصلاح والسلفية خاصة، هو كيفية التعامل مع التمويل الخارجي، الذي يتحكم في السياسة العامة لتسيير شؤون الحركتين عن بُعد، ولا يسمح لهما بالانفراد في اتخاذ ما يصلح لهما!. والأنكى من ذلك أنه إذا حصل خلاف بين قيادة الحركة الواحدة، فلا مناص من العودة إلى الممول الرئيسي الخارجي؛ فكثير من الخلافات المتكررة بين أبناء الحركات الدعوية منشؤها كيفية التصرف بالأموال والعطايا والمشاريع التي تأتي من الخارج.
عانى الصومال مشكلة كبيرة في معالجة الخلافات والانشقاقات المتكررة بين أبناء الحركات، أعاقت مسيرة الدعوة؛ بسبب اعتمادهم على أفكار وأيديولوجيات لا تتوافق مع البيئة الصومالية، مع تمويل خارجي غير بريء أفسد القلوب والأخلاق.
آخر الأخباراقرأ المزيداقرأ المزيداقرأ المزيداقرأ المزيداقرأ المزيداقرأ المزيد الاستهداف الإسرائيلي يخرجمستشفيات لبنانية عن الخدمة.
فإذا أراد العلماء والدعاة تطوير وتنشيط الدعوة من جديد، فلا بد من تأسيس منتدى دعوي يلبي حاجة المجتمع الصومالي، ويجمع الجهود المتنافرة في قالب متوافَق عليه، ثم يعتمد على التمويل الذاتي والداخلي؛ لقطع الطريق على الأفكار المستوردة من الخارج،