إن من أسباب السعادة أن لا تقارن نفسك بالآخرين، وألا تفكر فيما يقوله الناس عنك وراء ظهرك، وألا تغتر بالكلام الجميل الذي يقولونه في حضرتك، وأن تعلم أن دوام الحال محال؛ فلا سرور يبقى، ولا يكون المرء أبدًا في محنة فيشقى.
وألا ترفع سقف توقعاتك وما تنتظره من الآخرين، وأن تدرك أنك تعيش في آخر الزمان، في عصرٍ قلّ فيه الوفاء وكثر فيه الجفاء، وتحوَّل الصديق الرفيق إلى عدو خفي يتربص بك الدوائر؛ فلا تتوقع من الناس كلهم خيرًا، ولا تحزن من ناكر الجميل الذي يناصبك العداء وقد أحسنت إليه؛ فقد تصرّفت بما أملى عليه نبلُ خلقك، وتصرف هو حسب طبيعته، ومن شيم اللئيم الغدرُ ونسيان العِشرة، وتهون عليه الصحبة.
وأن تحسن إلى الناس لوجه الله؛ فإن أساء إليك غدًا من أحسنت إليه اليوم، لم يحزنك ذلك، لأنك ما ساعدته إلا طلبًا لرحمة الله جل شأنه، ولم تكن تنتظر منه جزاءً ولا شكورًا. وأن تتذكر بحب ومحبة من أحسن إليك، وتنسى من أحسنت إليه.
وأن تعلم أن القدر بيد الله، وأن الرزق مكتوب، والسعي مطلوب، ولن يحدث إلا ما كتبه الله. وأن ترضى بما أعطاك الله، وتبعد نفسك عن العداوة والبغضاء والحسد، وأن تنام وليس في قلبك حقد على أحد، وأن تعفو عند المقدرة، فالعفو والصفح أقرب للتقوى، وأن تسامح من أساء إليك.
وأن تتذكر هادم اللذات، فتدرك أن الموت قادم لا محالة، وأن كل ما في هذه الحياة مجرد وسيلة، وأن الغاية هي الآخرة؛ فمن وعى أن الدنيا فانية، والآخرة باقية، وأدرك أنه عابر سبيل في دار ممر لا مستقر، فقد بلغ السعادة، وفهم الغاية، وأدرك طريق الفلاح والنجاح.
وإن من أسباب السعادة ألا تتدخل فيما لا يعنيك، حتى لا تلقى ما لا يرضيك، وألا تسأل أحدًا عن أمر لم يخبرك به، وألا تطلب ودّ من لا يريد وصالك وقربك، وألا تحشر أنفك في أمر لا يخصك، وألا تطلب ما هو لغيرك، وإياك أن تغيّر مواقفك إرضاءً للناس، أو تجامل أحدًا على حساب مبادئك، أو تقلّد السفهاء طلبا للمال والشهرة.