خلال سنوات حكم أبي أحمد الخمسة المنصرمة ويفضل البعض تسميتها السنوات النحسة العجاف بسبب الإحباط الذي أصابهم من سياسات أبي أحمد التي إتسمت بالتسرع و العجرفة والسطحية، و مليئة بالمؤامرات و المكائد السياسية و تصفية الحسابات، و إنتشتار الإغتيالات السياسية والإعدامات الميدانية دون أحكام قضائية بناء على الإنتماء السياسي، وأثبتت كل تلك الجرائم بالأدلة وصدرت بيانات كثيرة من عدة مؤسسات حقوقية دولية و هيئات أممية.
دخلت الدولة الإثيوبية خلال هذه الفترة الى مربع العنف الطائفي و الإضطرابات العرقية كما أضرمت في فترة صاحب نوبل للسلام حرب ضروس أكلت الأخضر و اليابس راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى و الجرحى و نزوح الملايين داخليا و خارجيا، فضلا عن الأزمات الإقتصادية المتفاقمة ، وأتخذت الحكومة الإثيوبية قرارا متعجلا بتعويم العملة إستجابة لضغوطات المؤسسات المالية الدولية من أجل الحصول على قروض و دعم من تلك المؤسسات، ادى ذلك الى إنخفاض حاد في سعر العملة مقابل الدولار وهي في طريقها الى الإنهيار التام، وايضا من سمات هذه الفترة اسشراء الفساد في الدوائر و المؤسسات الحكومية، و سوء ادارة الموارد و استغلالها بالطريقة الصحيحة.
ومن أخطر القرارات التي إتخذتها حكومة أبي احمد هو إخراج وتشريد مئات الآلاف من منازلهم و ممتلاكاتهم العقارية دون توفير البديل بحجة مشاريع واهية من قبيل توسعة الشوارع و بناء الحدائق و المتنزهات أو منحها للمستثمرين الأجانب بهدف ضخ أموال من الخارج، تسببت قرارات كهذه الى حرمان مئات الألاف من النساء و الأطفال من سكن و مأوى، كما صوت البرلمان الإثيوبي على مصادرة أملاك المغتربين وعقارتهم التي أفنوا أوقاتهم و أموالهم في عمارتها وذلك اذا لم يثبتوا مصادر تلك الأموال وهل تم إدخالها للبلاد بالطرق الشرعية وينطبق هذا القرار على جميع العقارات التي تم إنشائها خلال العشر السنوات الماضية.
كل هذا فيض من غيض لما آلَ اليه الوضع في إثيوبيا، إن الكارثة الكبرى التي أدت الى هذا الوضع هي محاولة أبي أحمد جعل نفسه الحاكم الأوحد و بناء أمبراطوريته التي نسجها في خياله بناء على نبوءة من و الدته كما يذكر في العديد من المناسبات ذلك، فهو يحاول ان يبني ديكتاورية على أنقاض أخرى ، رغم أن عوامل نجاح مشروعه الإستبدادي ليست متوفرة، فلكي تكون ديكتاتورا ناجحا تحتاج الى مؤسسات أمنية قوية و وضع أمني مستتب و إقتصاد قوي وغيرها من العومل.
يراهن الكثير على فشله كما يسعى البعض الى إفشاله، ومن هؤلاء الناشط و السياسي جوهر محمد الذي كان له الدور الأكبر في إسقاط الحكومة السابقة التي كان يهيمن عليها التغراي، لم يكن لجوهر محمد في تلك المرحلة اية طموحات سياسية على الصعيد الشخصي غير تسخير امكاناته وشعبيته في توعية الشعب حول حقوقه ، فرغم سطوة جماهيريته والثقة التي يحظى بها في أوساط الشعب لم يحاول إستغلال ذلك لتحقيق مآرب و أهداف سياسية خاصة ضيقة ، كان يستغل تلك الثقة الجماهيرية للضغط على الحكومة في تحقيق العدالة الإنتقالية وتحقيق الديمقراطية، و لم ينجح في مسعاه لأسباب كثيرة ليس المجال لتفصيلها، فلقد تعرض الرجل للكثير من المضايقات و توجت تلك المضتيقات بسجنه لمدة سنة و العمل خلال فترة سجنه على تشتيت جبهته الداخلية بعدة طرق، ترغيبا و تهديدا و تبديدت لأموال و مقدرات الدولة في شراء الولاءات، هكذا أصبحت الديكتاتورية حقيقة و عندما تصبح الدكتاتورية حقيقة واقعة تصبح الثورة حقا من الحقوق.
فهل يقود جوهر محمد ثورة أخرى بهدف إسقاط النظام؟ الجواب ربما، فكل المؤشرات توحي بذلك فهو بدأ نشاطه مؤخرا بنشر مذكراته التي عنوانها “hin gaabuu” و تعني” لن أندم”، الكتاب الذي نشر بثلاث لغات حتى الآن حظي بإنتشار و اسع أدى إلى إرباك النظام مما إستدعى مهاجمة الكتاب و الكاتب، وتوجيه تهديدات مباشرة اليه و محاولة منعه من إقامة حفل تدشين الكتاب في كينيا، حيث ضغطت الحكومة الإثويبية على الدولة كينيا وأرسلت و زير خارجيتها على عجل قبل حفل التدشين بيوم الكينية للضغط من إجل إلغاء الحفل، ونجحت في ذلك، كما سربت الحكومة نسخة إلكتورنية في الشبكة العنكبوتية من الكتاب مزورة بحذف أو إضافات معلومات منه وذلك لتغير الحقائق التي وردت في المذكرات وهي شهادة ذات قيمة تاريخية حوت على الكثير من الحقائق و الأسرار و الفضائح التي أضجت كيان النظام مدعومة بالأدلة و البراهين.
لم تتضح بعد خارطة الطريق والحراك الذي بدأه جوهر محمد ولكن بدأت فعلا تتشكل ملامحه يبدو الآن أنه يسلك مسلكا آخر غير الذي تبناه سابقا من المطالب الإثنية والقومية الى الأهداف الوطنية الكبرى فهو الآن ينظر إلى إثيوبيا بمنظور أشمل و أعم و أعلن أنه يحلم بإثيوبيا حاضنة للجميع إثيوبيا يعيش فيها الجميع متوائمين متآلفين إثيوبيا متسامحة مع الماضي، قد نرى قريبا تشكل تحالفات وطنية تحت قيادة و احدة و أهداف وطنية نبيلة وقد يتحقق اسرع مما نتوقع، لأن نظام أبي بالفعل يترنح وليس من المبالغة ،القول بأنه بدأ خطواته نحو الأفول سريعا، كصعوده السريع و تربعه على قمة الهرم السياسي بترأسه الحكومة.
قد يتحول الغضب الشعبي المتصاعد إتجاه الحكومة الى ثورة سلمية قادمة و ستحقق أهدافها لأنها جاءت بعد دروس وعبر رغم صعوبة الأمر فالثورة مثلها مثل الرواية اصعب جزء فيها كيفية إنهاؤها كما يقول الفيلسوف أليكسى دى تشيفيل.