لست متشائمًا؛ لأن ألطاف الله -تعالى- على عباده كثيرة، وأن الأرض له يورثها من يشاء بعلمه وحكمته البالغة، فإذا مُكّن للصالحين عَمروها بالطاعات، وأما الفجار فليس في قاموسهم إلا الإفساد.
جرت سنة الله -تعالى- أن كل أمة متماسكة، ولها قيادة عاقلة، ونظام فعال، وهدف مشترك يسعى الجميع لتحقيقه، فإنها تبقى وتقوى كلما زادت عزيمة أبنائها، ولو كانت بعيدة عن هَدي السماء وتعاليم الشرع، وكلّ أمة تتآكل من داخلها، وتفرط في وحدتها وتماسكها، وتستقوي بأعدائها، فلا بقاء لها ولو ادّعت ما ادّعت.
هذا المنطق يتماشى مع السنن الكونية التي لا تحابي أحدًا، فالوحدة تطيل عمر الأمة، والتفرق يعجّل سقوطها. وإنَّ التشتت والتشرذم الصومالي لم يكونا وليد يوم أو ساعة، بل لهما جذور ممتدة لسنوات مضت، ويتحمل وزرهما كل الشعب بدون تفريق، وأما دور الأعداء فهو كمن يتبرع بالكبريت لمن يريد حرق بيته.
يوم سقطت الأندلس كانت الجوامع مُشيّدة، وكانت الأزقّة تضيق بجماهير المصلين، وحلقات العلم منتشرة في كل مكان، ولكن فرطوا في وحدتهم مع الاستعانة بأعدائهم نكاية في بعضهم لبعض، فاختفت عن الأنظار وتشتّت شعبها مقهورًا، فلم تعد الأرض أرض إسلام بعد ثمانية قرون من الرفعة والشرف، ولكن لا معتبر لما حدث لهم.
علامات التشتت في الصومال تجري على قدم وساق، وبرهان ذلك الأمور التالية:
- قبل ثلاثين سنة أعلنت “صومالي لاند” استقلالها من أجل مظلومية تراكمية، واليوم يجاهر قادتها بأن عداوتهم مع الجنوب متأصلة، وأن عدو الصومالي القديم أقرب إليهم منهم.
- أعلن إقليم “بونت لاند” قبل سنوات تغيير اسم نظامه الإداري إلى “دولة بونت لاند”، وكان يجاهر بقطع علاقته مع القصر الرئاسي الفدرالي، كلما حصل سوء تفاهم بين الجانبين.
- قبل أيام أعلنت إدارة “جوبالاند” أنها تسمت بـ”دولة جوبالاند”، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة للتعامل مع الفدرالية إذا لم تنفذ طلباتها، فماذا يمنع هذين الإقليمين من الانفصال إذا أرادا ذلك؟!
- عاصمة مقديشو: كثير من سياسيي وزعماء قبائل مقديشو لا يملون التذكير بأن العاصمة ليست للجميع، وهي ملك خاص، وليس من العدل ذهاب خيراتها إلى من ليسوا من أهلها، وكانت المعارضة السياسية والمسلحة التي وقفت أمام الرئيس فرماجو تنطلق من هذا الادعاء، فلا تستغرب إذا جاء يوم يعلن فيه بأن مقديشو ضيعة قوم، وليست عاصمة للجميع.
- القائمون على إدارات الجنوب الغربي وولاية غلمدغ قد يلجؤون إلى تغيير تسميات نظام حكمهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
- لاس عانود: أُعلنت إدارة مستقلة عن “صومالي لاند” و”بونت لاند”، وتحظى باعتراف غير مكتمل الأركان من قبل الحكومة الفدرالية، وإن كانت لا تستطيع تلبية شروط الفدرالية من إقليمين فأكثر، إلا أنها قد تستعين بوضع إقليم غلمدغ؛ لأنه لم يستكمل شروط الفدرالية، حيث يتكون من إقليم غلغدود ونصف إقليم مذع، فما المانع أمام الأقاليم الأخرى أن تحذو حذو هذا المنحى.
- هيران وغدو وأودل: يشعر أبناء هذه الأقاليم بالمظلومية ويسعون لإيجاد إدارة تمثلهم، فما الذي يمنع أن يصبحوا يومًا من الأيام جزءًا من التشتت والتفكك.
- القصر الرئاسي الفدرالي: منذ عودته إلى العمل عام 2006م، لم يكن همّ ساكنيه إلا التشبث بالكرسي، والتصرف كمن يحكم البلاد طولًا وعرضًا، وهو بدوره يساهم في تباعد المناطق بعضها عن بعض، وتأسيس إدارات قَبلية.
أخيرًا.. يواجه الصومال مشكلة معقدة تهدد وجوده ووحدته، وليس في الأفق من يسعى لتضميد جراحه وإعادة لُحمة أبنائه، فما لم يتنادَ عقلاؤه، ويخرجوا عن صمتهم، فإن الفأس إذا وقع على الرأس، فلا يفرق بين صالح وطالح؛ لأن الشرّ يعمّ والخير يخصّ.
فما هو دورنا الفردي -لأن الجماعي شبه مستحيل- لتأخير تفكك الصومال وتشتته؟.. أقل شيء أن نكون مثل “النذير العريان”، الذي لا يدخر شيئا من أجل تحذير أبناء بلده من الخطر الداهم، الذي إذا وقع لا يبقي ولا يذر.