موجز من تاريخ الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين بمناسبة تأسيسها
أسست الجبهة الوطنية المختصرة باسم: (ONLF) في 15 أوغسطس عام 1984م في العاصمة الصومالية مقديشو في ظروف بالغة التعقيد والحساسة سياسيا وأمنيا، كما كانت النخبة المؤسسة تتستر عن عيون المخابرات الصومالية المعترفة بجبهة الصومال الغربي المتدهورة سياسيا وعسكريا، وهذا يعني في نظر الحكومة الصومالية تحديا لسياساتها الخارجية الإقليمية والدولية تجاه بالإقليم.
ومنذ القمة العربية في المغرب عام 1974م كانت أوراق قضية الصومال الغربي سياسيا تحت إشراف الحكومة الصومالية، وبعد مرور سبع سنوات من حرب سبعة وسبعين مع التدهور الذي خلفه في حياة الشعب الصومال الغربي في الداخل والخارج، ولم تُحرّك الجبهةُ المنطوية تحت لواء الحكومة أي تحرك في سبيل تحقيق الإستقلال للشعب الصومال الغربي قررت نخبة من أبناء الوطن إعادة دور القيادة للقضية، وقراراتها السياسية إلى بيتها الداخلي، والقيام بعمل ثوري جديد يستقل بآرائة السياسية والعسكرية.
وإذا كان هناك تعدد في الأسماء، واختلاف في الإتجاهات والأفكار بين القيادات المناضلة للقضية فإن البعد الإستراتيجي الذي يجمع بين الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين وبين الجبهة المتحدة لتحرير الصومال الغربي يلزمهم جميعا بالوحدة والتشاور وتجاوز الجزئيات بينهما في سبيل تحقيق الكليات.
ووصول أحد الجبهات إلى الغاية المنشودة نجاح لجميع الجبهات للقضية عبر العصور، فوحدة التاريخ والأمال والألام تجبرهم جميعا بالوحدة وتنسيق جهودهم ومبادراتهم عبر تبادل الأفكار والخبرات، وليعلم الجميع أن حلقة النضال الطويل تحيط بهم جميعا في حظيرة الشرف والعز والكرامة.
وقد كانت نقاشات حول اختيار الإسم للجبهة كبداية لاستقلال قراراتها السياسية، وقد ذكر المصنف نقاشا طويلا حول الإسم، وأنهم اختاروا مؤخرا اسم أوجادين لأسباب ثمانية على الرغم من أن الشيخ محمد إبراهيم عبد الله كان يرى باستخدام اسم الصومال الغربي.
قلت: ما قاله المصنف من اختيار اسم الصومالي الغربي للمنطقة هو الإختيار الذي ما زال في خلدي منذ التعقل؛ للأسباب التي ذكرها الشيخ، إضافة إلى أن الحروب الأهلية التي وقعت في ربوع الوطن الصومالي عموما بعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية وقبلها، والجبهات المسلحة الصومالية القبلية، والصراع السياسي على السلطة، وسياسات الحكومة الأثيوبية التقسيمية خلفت عن شخصية صومالية توالي وتعادي بالقبيلة، مما يلزمنا التنازل عن شعارات عديدة للملمة الوضع الراهن في المنطقة وتخفيف التوتر القبلي بين الصوماليين وكسر يد الإستعمار ووكلائه عن التدخل في شؤون المنطقة عبر القبيلة والتخلي عن أي شعارات أو توجهات من شأنها أن تؤجج مشاعر البعض والسعي إلى توحيد صفوف الصوماليين في الصومال الغربي لمساومة عدوهم الحقيقي ومحاسبته مهما كلف.
ثم دخلت القضية في منعطفها الجديد حينما أصبحت مساومة سياسية بين الحكومة الصومالية وبين المعارضة المسلحة، وحاول كلا الطرفان استغلال القضية مع أثيوبيا لصالح أجندته، واستخدامها كرشوة سياسية من جانب الحكومة، وطلب الدعم العسكري والإيواء من قبل المعارضة.
وفي نفس الوقت كان منجستو يحاول إقناع الوجهاء والأعيان في الصومال الغربي بقبول الحكم الذاتي، وتقسيم الإقليم إلى ثلاث كنتونات طمعا في احتواء القضية ووحدتها الترابية، من خلال الجمعية الوطنية الأثيوبية التي أسست عام 1987م .
وكانت الحكومة الصومالية مستاءة من ظهور هذا التنظيم الذي يدعوا بصراحة إلى استقلال القضية وقراراتها من الحكومة الصومالية, ومواجهة الإستعمار الأثيوبي مباشرة بكافة السبل , ولما فشلت الحكومة بعملية اختراق الجبهة بدأت سحب الجوازات الدبلوماسية من أعضاء اللجنة التأسيسية.
وأصدرت الجبهة نشرة دورية سميت باسم (كاه) أي الضوء باللغات العربية والصومالية والإنجليزية عام 1987م تندد على ما تقوم به الحكومة الصومالية، وتحركاتها الإستسلامية لطروحات منجستو ، وبعد هذه النشرات لقيت الجبهة تأييدا وتضامنا من الجاليات في المهجر.
واستمرت القضية مستقلة عن مقديشو حتى سقط نظام منجستو بأيدي التجراويين وحلفائهم المسيحيين من الأروميين والأمهريين مما أدى إلى عقد مؤتمر القوميات الذي شاركته الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين، وطرحت فيه تلاوة بيانها السياسي القاضي بإعلان حق تقرير المصير فوق بقية الموضوعات، ولم يسمح للجبهة من تلاوة بيانها على المؤتمر فانسحبت من جلسات المؤتمر, وبعد مشاورات استمرت أسبوعا، وأحدثت خلافا بين أعضاء المجلس التنفيذي للجبهة الذين يتواجدون في أماكن متباعدة من العالم أثناء انعقاد المؤتمر، وافق المتواجدون في القرن الإفريقي على تمثيل للجبهة في مجلس القوميات في إطار الميثاق الذي الذي ظهر كوسيلة تشريعية تضمن إجراء الإستفتاء في فترة انتقالية دستورية.
وكانت الفترة من شهر أبريل عام 1991م إلى نهاية تلك السنة تشبه بالفترة ما بين مطلع عام 1989م إلى مطلع 1991م, من حيث إنقاذ قرار التحرير وانتشاله من بين مفترق خيارات التصعيد والتطوير وبين منحنيات الإستسلام.
• المؤتمر الشعبي العام الأول للجبهة وأهميته القصوى:
انعقد هذا المؤتمر في يوم السابع من شهر يناير عام 1992م في مدينة (مليكو) التاريخية من إقليم (نجب) وسط الصومال الغربي بحضور أكثر من مندوبي خمسة عشر ناحية من أقاليم الصومال الغربي استجابة سريعة لطلب الجبهة من الأقاليم والعشائر بحضور هذا المؤتمر لوضع خارطة الطريق للجبهة وأنشطتها المستقبلية.
إن الأهمية التاريخية لذلك التجمع الجماهيري لا تكمن فقط بكثرة عدد المشاركين، ولا تتمثل أيضا بالأصوات والشعارات والأهازيج التي ألقيت في الإجتماع، وأنما أهمية هذا المؤتمر تتجلى في نتائجه التي صدرت منه, وهي كالتالي:
1. الإحتفال بأن شعب الصومال الغربي ساهم مساهمة فاعلة في إنهاء نظام منجستو، وإسقاط الإمبراطورية الأثيوبية الأمهرية .
2. الإعلان بأن هذا الشعب قد حقق أولى إنجازاته من رسالته الجهادية، وهو تأكيد استقلاليته الحضارية وهويته الوطنية عن أثيوبيا.
3. اتخاذ حق تقرير المصير مصدر المشروعية لنضال الجبهة.
4. إثبات الشرعية الدستورية لقيادة الجبهة.
5. جعل الإرادة الوطنية فوق بنود ميثاق القوميات.
6. الإعلان بأن علم الجبهة هو أول علم صومالي يرتفع في الصومال الغربي، ويعترف به نظام أثيوبي.
7. انتخاب أول لجنة مركزية في عمق الوطن بطريقة شرعية لضبط أنشطة العمل النضالي والسياسي لكل التنظيمات في المستقبل.
ومن الشواهد البينة على نجاح هذا المؤتمر هو الهجوم الذي شنته القوات الأثيوبية على ثكنات جيش التحرير للجبهة في مدينة (برقد) في يوم 21/1/1992م ، أي بعد انتهاء المؤتمر بسبعة ايام فقط، ولكنهم فشلوا في هذا الهجوم وتكبدوا خسائر فادحة غير متوقعة كما سبق لنا.
وقد اشاد المجاهد الكبير جراد مختل طاهر بأهمية هذا الملتقى معربا عن إعجابه واعتزازه بنتائجه، واحتسبها نصرا عظيما حققه الشعب.
ويمكن اعتبار نتائج هذا المؤتمر نقطة تحول كبرى تشبه بالإنطلاقة التاريخية لحركة (حزب وحدة شباب الصومال) عام 1943م، وذلك من حيث الأهداف، وإنهاض المشعر، وإنعاش الآمال، ومن حيث ظروف الشعب الذي مزقته الصراعات القبلية ، ومن حيث المناخ الدولي أيضا الذي يتزامن مع عودة الهيمنة الغربية على النظام الدولي.
وينبغي إضافة هذا الصراع المسلح حركة الإتحاد الإسلامي التي تأسست عمليا عام 1992م الذي تحول مؤخرا إلى الجبهة المتحدة لتحرير الصومال الغربي.
وإذا كان حزب وحدة الشباب الصومال تأسس بأيدي ثلاثة عشر رجلا، أصبحوا فيما بعد رمزا للوحدة القومية والوطنية الصومالية، فإن الجبهة الوطنية أيضا خلفت وجوها بارزة تشرفت بحضور تأسيس الجبهة ونقلاتها النوعية، وتتألف هذه المجموعة من ستة من المؤسسين، وخمسة وأربعين من المجددين أعضاء اللجنة المركزية الذين انتخبوا في المؤتمر الشعب العام عام 1992م.
ومن الوفاء تسجيل أسماء هؤلاء المؤسسين، وقادة المجلس التنفيذي من عام 1992م ـــ1998م. والمؤسسون هم:
1. إبراهيم عبد الله محمد.
2. محمد إسماعيل عمر.
3. عبد إبراهيم جيلي.
4. عبد الرحمن شيخ مهدي.
5. عبد الله محمد سعدي.
6. عبد الرحمن يوسف مجن.
وأما المجلس التنفيذي للجبهة فهم:
1. إبراهيم عبد الله محمد.
2. محمد عبد ياسين (ديرني).
3. عمر نور معلم.
4. أحمد نور محمد عمر.
5. عبد القادر شيخ حسن (عداني هيرموجي).
6. كافي يوسف عبد الله.
7. عبد الرزاق شيخ محمود.
8. عبد الله عبد تفلو.
9. أجاس عبد الرزاق محمد (جاتا).
10. إلياس شيخ علي سياد.
11. أحمد محمد (جبهد).
وفي نهاية شهر سبتمبر عام 1998م مع استمرار المواجهات بين الجبهة وبين القوات الأثيوبية تم انتخاب (أدميرال) محمد عمر عثمان تحت شجرة في البوادي القريبة إلى مدينة كبكبو التابعة لإقليم قرحي في منطقة تسمى (بلعل عيمو) ـbilcil caymo ـ رئيسا للجبهة خلفا لإبراهيم عبد الله محمد الذي كان رئيسا للجبهة منذ عام 1991م.
وقد شغل المناضل الأدميرال هذا المنصب ما يقارب واحدا وعشرين عاما من الكفاح المسلح المرير ضد النظام الأثيوبي إلى انعقاد المؤتمر الشعبي العام الرابع للجبهة في مدينة (جودي) حاضرة إقليم شبيلي، وذلك من يوم السادس إلى الحادي عشر من شهر نوفمبر عام 2019م ، وبحضور عدد هائل من مكونات الشعب وممثلي الأقاليم والمحافظات والعشائر وأطياف المجتمع من الداخل والخارج مما لم يسبق له نظير في تاريخ الجبهة، وقد سبق عن المؤتمر العام مؤتمر أعضاء اللجنة المركزية للجبهة المنعقد في الثاني من نوفمبر إلى الخامس منها في مدينة (جودي) نفسها.
وفي نهاية اختتام مجلس أعضاء اللجنة المركزية صوت المجلس للمرشحين المناضلين عبد الرحمن شيخ مهدي وأحمد ياسين شيخ إبراهيم فصوتت غالبية الأعضاء لمسؤول الشؤون الخارجية للجبهة أحمد ياسين شيخ إبراهيم؛ ليواجه منافسة بالغة الأهمية والحساسية مع أحد مؤسسي الجبهة، ونائب العام لها عبد الرحمن شيخ مهدي (مادي) أمام المؤتمر العام.
وفي نهاية المؤتمر في ليلة الحادي عشر من شهر نوفمبر أجريت عملية انتخاب نزيهة على مرئ ومسمع من العالم لم تعرف المنطقة مثيلا لها وتم انتخاب عبد الرحمن شيخ مهدي مادي رئيسا للجبهة الوطنية لتحرير أوغادين.
وكانت هذه الإنتخابات بمثابة اختبار للجبهة، ونضوجها الفكري وجهازها التنطيمي في منطقة لم تشم رائحة الإنتخابات الحرة النزيهة، وتبادل السلطة بطريقة سلمية في تاريخها.
وكل هذا وقع بعد توقيع الجبهة 21 أكتوبر عام 2018م اتفاقية سلام شامل في أسمر مع النظام الأثيوبي الجديد بقيادة رئيس الوزراء الأثيوبي أبيي أحمد وبرعاية أريترية أعقاب ثورة شعبية سلمية قادها شباب القومية الأرومية أجبرت على نظام تي بي ألف السابق بالتنحي عن السلطة.
ولا شك أن الجبهة تواجه تحديا كبيرا بعدما انتقلت إلى حزب سياسي، يدير عملياته السياسية في داخل إثيوبيا، ويرى بعض المراقبين والمفكرين صعوبة التوافق بين الرؤية الجديدة للجبهة الوطنية وبين مبادئها الرسمية التي حاربت من أجلها طوال العقدين الماضيين، والنضال بالقلم وصناديق الإنتخابات وفي داخل الشعب والنظام الإثيوبي بدل السلاح والقوة أمر منطقي نسبيا إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل ستسمح إثيوبيا النضال السلمي في داخلها؟ ، وهل ستراعي بنود الإتفاق بينها وبين الجبهة في المستقبل مهما كان هذا الإتفاق هزيلا؟ ، وهل ستسطيع الجبهة وقادتها إدارة هذه المرحلة الجديدة وتجاوزها بدون انشقاق داخلي من أعضائها ومؤيديها؟ ، وهل فعلا لدى الجبهة كفاآت بشرية تستطيع إدارة هذا المشهد المعقد صوماليا وإثيوبيا ومواكبة المستجدات والمتغيرات مع محافظة الأصول والمبادئ؟ .
هذه الأسئلة وغيرها سيجيب عنها الواقع خلال السنوات القريبة القادمة، وأسأل الله أن لا تكون هذه المرحلة نهايتهم كسائر الحركات التحررية السابقة، فكل عاقل يتابع الوضع ويقيّم الأحداث يرى أن الطريق الذي سلكت الجبهة حاليا مجهول النهاية والغاية.
المرجع: كتاب تهذيب تحفة الأوفياء (ص ١٤٠—-١٦٠)
هذبه وزاد عليه: مصطفى شيخ إبراهيم .
٢٤/١٢/١٤٤١هجرية، الموافق 14/8/2020.
Post Views: 82