القنابل العنقودية تحتوي شظايا كثيرة وكل شظية تحتوي بدورها أجزاء قابلة للانفجار والانشطار بشكل مستقل عن القنبلة الأم، وكذلك التيارات الاسلامية تبدو في بداياتها شريحة من المجتمع قررت القيام بالتوعية الدينية ومحاربة مظاهر الفساد الاخلاقي والسياسي والاجتماعي في المجتمع، وتؤكد في أدبياتها بأن خطابها وسطي ليس فيه غلو، ولا تستبيح دماء المسلمين ولا تكفرهم، فقط تدعو إلى العودة إلى الإسلام وإحياء شعائره.
وبمرور الزمن وانتهاء فترة تبيض الدجاج نكتشف أنها فرخت بعشرات من الأفكار والتوجهات والفصائل المختلفة والمتباينة المشارب. الداعش من رحم القاعدة، والقاعدة من مخلفات الجهاد الأفغاني، وجهاد الأفغانستان التهب بفضل بارود عبدالله عزام، والدكتور عبدالله عزام خريج المدرسة الاخوانية، كما أن أيمن الظواهري والعبود خرجوا من تحت عباءة الجماعات التكفيرية التي انبثقت من رحم الاخوان المسلمين أثناء محنتهم في سجون عبدالناصر.
على المستوى المحلي الصومالي وصل إلى الصومال مشاعل فكر الإخواني ومشتقاته من التكفير والهجرة، حركة الاصلاح حاملة الراية الاخوانية حاولت عبثا النأي بأنفسها عن أي خطاب أو ممارسات لا تتماشى مع الوسطية، وفي النهاية خرج من رحمها ماردا اسمه الدم الجديد عقيدته ميكافيلية غاياته تبرر كل الطرق بما أنها تؤدي إلى روما، تحالفوا مع مكونات المحاكم الاسلامية بمختلف توجهاتهم، حملوا السلاح وفتحوا المعسكرات، ذهبوا اسمرا وكانوا من قيادات تحالف إعادة التحرير، قفزوا من سفينة اسمرا بعد ما تيقنوا حظوظ شيخ شريف في المرحلة القادمة، تحالفوا معه أولا ثم انتزعوا منه الكرسي في أضعف فترات حياته السياسية، في وقت الجماعة الأم مشغولة بأن تثبت للعالم بأن الدم الجديد لم يعودوا من الاخوان أو بالأحرى من الاصلاح.
والشق التكفيري يعيش هذه الأيام في أحسن أيامه (بريسماته) تحت اسم الصادعون بالحق.
أما التيار السلفي فقد حمل رايته في الصومال الاتحاد الإسلامي الذي خاض معارك شرسة في شرقي وجنوب الصومال، والاقليم الصومالي في اثيوبيا (أوغادين)، انشق منه تيارا مدخليا يعرف في الصومال باسم السلفية الجديدة، ثم تقرر تجميد العمل المسلح واستبدال اسم الجماعة الذي أصبح الاعتصام بالكتاب والسنة، لكن مجموعات فيها قيادات وشباب رفضت فكرة التخلي عن السلاح، وقررت فك الارتباط مع الاعتصام واشتهرت فيما بعد باسم حركة الشباب المجاهدين وأعلنت ولائها لتنظيم القاعدة وما زالت تنفذ هجمات مسلحة وعمليات تفجير وتعلن أنها تسعى للإطاحة بالحكومة الصومالية وطرد القوات الأجنبية من البلاد، الاعتصام جاهدت عبثا لإنكار أي علاقة أو صلة لها مع حركة الشباب واصفة اياها بالخوارج، ومن الميادين الكبرى التي ركز السلفيون عليها في نشاطهم محاربة الوجود الصوفي في البلاد وحكمت بجميع الطرق الصوفية بالشرك والضلال، ومن المجالات التي أبرع فبها السلفيون وعملوا فيها تجارة مزدهرة هو مجال الرقية الشرعية والتداوي بالأعشاب أو ما يطلقون عليه الطب النبوي، ومن أجل تحقيق الكسب السريع تحولت الرقية الشرعية إلى دجل وممارسات غير أخلاقية، وتحولت الرقية الشرعية المختصرة بأيات وأحاديث مأثورة مخصصة لمن يشكو بمرض ما سواء كان عضوي أو نفسي تحول الأمر في بعض المدن الصومالية إلى مهرجان يومي يتدفق عليه المواطنون المخدوعون وبالصفة خاصة النساء في حظيرة كبيرة يحدث فيها ما لا يمكن تصور حدوثه في هذا القرن وأيضا باسم الدين، وبعد ما أصبحت هذه الممارسات تجتذب لفتة انطار الصوماليين واستنكرتها شريحة كبيرة من المجتمع بدأت الاعتصام نقدها باستحياء ووصفها بممارسات لا تليق.
إذا نحن أمام قنابل عنقودية، شظاياها تستمر في الانشطار، شظية تصيبنا في الفكر والدين وأخرى في السياسة والشأن العام وثالثة في الأرواح ورابعة في الصحة والنفسيات، وهكذا بحيث لا يسلم لنا جانبا من جوانب الحياة.
ومواساتنا الوحيدة هي أن القنبلة الأم تعلن دائما برائتها من شظاياها العنقودية التي انحرفت عن المسار الصحيح.