**الحياة الغربية بين الفوائد والخسائر*
*الحلقة الأولى**
إن عشت في الغربة ردحا من الزمن فسوف تتعود على نمط معين من سلوك يأسرك بأغلال من الإلفة والعادة وأنت لا تشعر، وإن أمسيت وأصبحت في بيئة غربية، التي غالبا لا تعترف الإسلام كدين؛ بل تحاول جادة عزله عن الحياة العامة، وإبعاده عن التأثير والتأثر به فسوف تفقد حرارة الإيمان تدريجيا، والمراكز البحثية، والأجهزة التعليمة تجدد القوانين الاحترازية عن تأثير الإسلام بين فينة وأخرى؛ للحيلولة دون أي وسيلة من شأنها إتاحة الفرصة لتأثير الإسلام بالحياة الاجتماعية…
وعلى هذا من تربى على هذه البينة ثم تبين له بعد تجربة طويلة، وخبرة مديدة مدى الغبن الذي أصابه، والخطر المحدق على عقيدته ثم يحاول الاستدارة والعودة إلى المربع الذي قد ضل عنه فإنه سيكون كالغراب الذي بذل جهده؛ لتقليد طاووس وأطال التدرب على محاكاة مشيته وبعد لأي وشدة، بَانَ له خطؤه بتقليد مخلوق مثله، وطير هو أقوى منه طيرانا فعزم على العودة إلى سيرته الأولى، ومشيته الأصيلة، وإلى عاداته المتجذرة في طينته، المتأصلة في خلاياه الوراثية المناسبة مع حجمه وفطرته…
وعلى رغم صدقه وإخلاصه إلى العودة ولكن هناك مشكلة حقيقية واجهت الغراب وهي عدم الاهتداء إلى سيرته الأولى، إذ درست معالمها، وتعاورتها ريح اليمين والشمال، وغزت عليها تربة صيفية وأخرى شتائية حتى تركتها بلا عين ولا أثر، فمشى الغراب عندئذ مشية عرجاء بين بين لا هي مشية طاووس ولا مشية غراب..
هذا المثال ينطبق على هؤلاء الذين تعوّدوا على الحياة الغربية المرتبة الروتينية، التي تنبثق عن قوانين صارمة، وعن تربية على قالب معين منذ نعومة الأطفار بل قبل الولادة والجنين في عالم الأجنة وفي رحم أمه، فتسري هذه التربية في دماءه كسريان الدم في الشرايين ، وتنطبع في دماغه انطباع الحبر على الورق، وترتاح لها الأرواح كما يرتاح الصادي بجرعة الماء، وتعتبرها النفس ضرورة لا يمكن الانفكاك عنها، وحاجة لا يمكن الانفصال عنها إلا بشق الأنفس بعد الخضوع لعملية التأهيل والترميم…
الدكتور/يوسف أحمد محمد
















