الكل يعلم تقريباً أنّ كلمة الصحابة تطلق على كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلّم وآمن به وعاش معه ولو لحظة ،ولعل تعريف ابن حجر العسقلاني رحمه الله أفضل واشمل حيث قال”وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام”.
والكل يعلم أيضا دور الصحابة الكرام في نشر الدين الإسلامي الحنيف الى جميع أرجاء المعمورة، ثم قد يتساءل البعض ماهو القاسم المشترك بين الصحابة الذين كان آخرهم موتا أبو طفيل عامر بن واثلة الذي توفي قبل ١٣٠٠ سنة تقريباً وبين الصوماليين الذين شاع ذكرهم بعد قرون من هذا التاريخ؟
وإجابة على هذا أقول: لحكمة يعلمها الله سقطت الحكومة المركزية الصومالية وأندلعت الحرب بين القبائل وتشكلت جبهات تقاتل تحت راية قبيلتها مما أدى الى نزوح كثير من الشعب الصومالي وهجرتهم من أرض الوطن والذهاب الى عالم لا يجمعهم جامع، سواء اللون والعرق فضلاً عن لغة ودين فأصبحوا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض لكنّ ذلك كان معجزة لم يفهمها كثير منّا حيث أن الله سبحانه وتعالى أراد أمراً آخر-لعل الله أراد أن يعز بدينه ورسالته بأمة شهد لها أعداؤها قبل أصدقائها بأنها من أشد الأمم إلتزاما وإتباعاً للدين الإسلامي، بل وكأنهم رسل رسل الله ونواب عن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلّم.
يعترف ذلك كل من أمعن النظر في المجالات التالية التى يمتلك زمامها الصوماليون ويشارك معهم إخوانهم من الجنسيات الأخرى:
أولاً: تأسيس المراكز الإسلامية التى تمثل المسلمين وتقوم مقام وزارات الأوقاف وهي تنضوي تحتها القضاء وحل الخلافات والقيام بالعمل الإنساني والإغاثي،إضافة الى المجال التعليمي من المرحلة الإبتدائية وحتى الجامعة بما فيها الخلوات القرآنية أمرٌ يكفى دليلا لأداء المسؤلية الدعوية والرسالة المحمدية الملقاة على عاتق كل مسلم ومسلمة، وأحمد برهان الذي شارك في المسابقة القرآنية في دبي للقرآن الكريم وفاز بالمقعد الأول حتى افتخرت به وسائل الإعلام الأمريكية خير دليل لما تقوم إليه الجالية الصومالية.
ثانياً: الشعائر الإسلامية والأعراف الصومالية التى تستند الى الكتاب والسنة ساهمت في إنتشار الإسلام في الدول الغربية دون جهود دعوية تذكر وعلى المستوى المطلوب.
والجدير بالذكر أن البنات والنساء الصوماليات متحجبات وهنّ دون سنّ التمييز و في العسر واليسر والمنشط والمكره مما أدى الى تساءل بعض النساء غير المسلمات عن هذا الزيّ الإسلامي الغريب بالنسبة لهم ليبحثو ما السِّر في وراء هذا التستر والتغطي من الرأس الى القدم وفي يوم شديد الحرارة ودون إجبار من أي احد ليعرفن أخيراً أنه لم يكن ذلك إلا إمتثالا لأمر رب العباد سبحانه،وكذالك القميص والطاقية في المناسبات الإسلامية كالأعياد لعبا دوراً مهما في داخل المجتمع الذي نعيش معه.
بينما الكثير من أخواننا غير الصوماليين يتركون شعارهم وأعرافهم وينفقون كل غال ونفيس للتكيف مع الواقع الأمريكي وإن كان ذلك على حساب دينهم وعقيدتهم!
ثالثا: أماكن العمل والتعليم وتصرفات الصوماليين والتمسك بدينهم أجبر كثيرا من المؤسسات العملاقة على تعيين وتحديد مصلى في داخل المؤسسة تقام فيه الجمعة والجماعة لتتكون من هنا أمة مسلمة تحمل الشعار الإسلامي.
جاء ذلك بعد الإلتزام بالمبادئ الإسلامية والضوابط الشرعية حيث يشترط المؤظف الصومالي في بداية عمله أن هناك أوقاتا يجب أن يتوقف عن العمل ليلبي دعوة ربه ويصلى خمس صلوات في اليوم والليلة لاسيما أن صلاة الفجر والمغرب وقتهما محدود ولن يعوض بهما الدنيا وما فيها فتتم تلبية طلبهم وتحديد مواعيد للصلوات المفروضة ليركعوا أمام ملاء من الناس وليشاهد صلاتهم من كان هناك ليسوق بهم الجو الروحاني الى البحث عن حقيقة الإسلام والإقتناع به في كثير من الأحيان.
رابعاً: الإبتعاد والتحرز عن الماكولات والمشروبات المحرّمة في شرعنا الحنيف كالخمر والخنزير الذين هما من الطيبات في نظر المجتمع الذي نحن فيه أثّر في نفوس كثير ممن يستخدمون أو يبيعون لتَرِدَ أكثر من سؤال تتعلق بالإسلام فيما يجيزه أو ينهى عنه وما العلة في ذلك؟ ثم يجيب عنه أهل التخصص ليكون هذا بوابة للدخول الى الدين الإسلامي الذي أحلّ لنا الطَّيِّبَات وَحَرّم علينا الخبائث!
خامساً: العلاقة الأخوية والترابط الإيماني بين المسلمين والتعاون فيما بينهم والتقاسم في كل صغيرة وكبيرة سواء بين الآباء والأبناء، أو الأزواج والزوجات، أو بين المسلمين عموما وأخوتهم التى أرشد إليها دينهم الذي وصفهم “كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى” استعطف كل ذلك كثيرا من الأمم الغير الإسلامية الى هذه الرّحمة والرأفة التى لا تؤجد في أمة غير أمة الإسلام ولا دينا غير الدين الإسلامي، حيث أن الأب غير المسلم هنا أو الزوجة مع زوجها لو ذهبا الى السوق لشراء بعض الإحتياجات المنزلية او حتى تناول الطعام يدفع كل منهما عن نفسه ولا يساعد أباه او أمه أو زوجته بشئ،إلا القلة القليلة التى تغلب عليها الطبيعة الإنسانية والعاطفة الحميمة التى جُبِل عليها بعض بني البشر!
أخيرا: كل هذه الجهود المذكورة التى تخدم لصالح الدعوة يشارك مع الصوماليين إخوانهم من المسلمين لكنّ زمام الدعوة وقيادة المراكز الإسلامية وجهاز التحكم في نشر الإسلام في الدول الغربية بيد الصوماليين دون منازع، ولأجل هذا قلتُ ” الصوماليون صحابة العصر”
دامت الصومال مؤحدة.

















