العلاقة بين الفطرة والهوية الجنسية!
تعد مسألة الهوية الجنسية من أبرز القضايا الجدلية المعاصرة، وقد أصبح من الضروري التمييز بين ما هو فطري طبيعي، وما هو سلوك منحرف عن الأصل.
يتفق العقلاء من شتى الخلفيات العلمية والدينية أن الجنس البشري يقوم على ثنائية واضحة: ذكر وأنثى. وقد أثبتت النصوص الدينية وكذلك الحقائق العلمية أن هذا النظام الثنائي هو الأساس في بقاء النوع البشري واستمرار الحياة.
أولًا: التصنيف الجنسي عند البشر.
الجنس البشري يصنف في الأصل إلى ذكر وأنثى، وهما الأساسان في التكوين البيولوجي والوظيفة التناسلية، وفي حالات نادرة يولد بعض الأفراد بحالة تسمى “الخنثى” وهي اضطراب خَلقي في الأعضاء التناسلية مما يجعل من الصعب التحديد الدقيق للجنس عند الولادة! وقد تعامل الفقه الإسلامي مع هذه الحالات بواقعية علمية فأجاز ترجيح أحد الجنسين وفقًا للغلبة في الصفات العضوية أو الوظيفية بما يحقق مصلحة الشخص ويمنع الحرج.
ثانيًا: دعوى التحول الجنسي والشذوذ.
من القضايا التي تصطدم بالفطرة والمنطق العلمي هي محاولة بعض الأفراد تغيير جنسهم البيولوجي من ذكر إلى أنثى أو العكس اعتمادًا على عمليات جراحية أو تعاطي هرمونات.
هذه المحاولات وإن لبست ثوب “الحرية الشخصية” أو “الهوية الذاتية”، فإنها لا تغير الحقيقة الجينية والكروموسومية إذ يظل الذكر XY والأنثى XX مهما جرت عليهما التعديلات الشكلية.
أما ما يُعرف بـ”المثلية الجنسية”، فهو سلوك منحرف عن الفطرة نهى عنه الدين ورفضه التاريخ الإنساني لفترات طويلة، إلى أن رُوج له في العصر الحديث تحت شعارات زائفة. وقد ثبت علميًا حتى الآن استحالة أن يُنجب رجلان أو امرأتان دون تدخل من طرف ثالث (ذكر أو أنثى)، مما يثبت أن الطبيعة ترفض هذا الشذوذ وتؤكد أن بقاء الحياة مرتبط باتحاد الذكر والأنثى فقط.
ومن هنا تتجلى الفطرة السليمة في نفور الإنسان السوي من العلاقات الشاذة، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى عن قوم لوط: “أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ” وهو إشارة إلى أن هذا السلوك مستحدث على البشرية ويخالف سنن الخلق والطبيعة.
وقد أثبتت العلوم الحديثة أن ما يُروّج له من وجود “جين للمثلية” لم يثبت بدليل قاطع بل هو ادعاء لم يصمد أمام الدراسات الدقيقة. و تشير كثير من الدراسات إلى أن السلوك الجنسي يتأثر بالبيئة والتربية والعوامل النفسية أكثر من العوامل الجينية.
وعليه لا يزال من المستحيل علميًا حتى اليوم أن ينجب رجلان أو امرأتان من بعضهما البعض دون تدخل من جنس مقابل. وإن حصل الإنجاب بواسطة “التلقيح الصناعي” أو “زرع الرحم” أو غيره فلا بد من وجود بويضة من أنثى أو حيوان منوي من ذكر مما ينقض ادعاء الاكتفاء الذاتي أو الاستغناء عن الجنس المقابل.
إن تحدي الواقع العلمي هو برهان على أن الطبيعة تأبى الشذوذ وتصر على النظام الثنائي الذي أودعه الله في خلقه:”وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا”.
وقبل الختام أذكر هنا موقفًا أثار دهشتي- وكان سبب في كتابة هذا المقال-، حيث كنت أتعلم اللغة الإنجليزية في أحد المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وطلبت منا الأستاذة كتابة essay (مقال). فكتبت إحدى الطالبات في المقدمة عبارة باسم الأستاذة، مضيفةً كلمة (Mrs) احترامًا لها كما هو معروف، فإذا بالأستاذة تحذف الكلمة وتقول: “أنا لا أؤمن برجل أو امرأة، بل يجب أن يدعى كل شخص بما يحبه!”
حينها شعرت بالصدمة وقلت في نفسي: كنا نخاف على أطفالنا من هذه الانحرافات الفكرية فإذا بنا – نحن الكبار – نُقذف في بحرها!
خاتمة
إن محاولة طمس الفطرة أو التمرد على النظام الطبيعي للجنس البشري هي معركة خاسرة، لن تثمر إلا عن اضطرابات نفسية ومجتمعية، ويبقى النظام الزوجي بين الرجل والمرأة هو الطريق الوحيد السليم لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي، وضمان بقاء البشرية. والحقيقة مهما جرى تزييفها أو التلاعب بها لا بد أن تظهر، ويعلو صوت الفطرة على ضوضاء الأهواء.
عبدالنور حسن رشيد( بشاش)