بين القدر والتقصير: حكاية أصحاب البطون.
في زمنٍ تتسارع فيه الحياة وتزدحم فيه الموائد، ظهر جيلٌ من الناس لا تُخطِئهم العين! بطون متقدمة، وكرش يسبق صاحبه في كل خطوة. يتمازح الناس معهم أحيانًا ويعتذرون لهم أحيانًا أخرى، لكن وراء هذه الظاهرة حكاية تستحق التأمل بين القدر والتقصير.
يقول بعضهم إذا سُئل عن بطنه الممتدة: “هذا قدر الله!” وكأن الأكل المفرط والكسل عن الحركة وترك الرياضة من مظاهر الإيمان بالقدر! والحقيقة أن القدر لا يُستَعمل ذريعة للتقصير، بل هو الإيمان بأن ما يقع بعد بذل الأسباب هو من الله! فالله سبحانه لم يأمرنا أن نترك الأسباب، بل قال“وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ”.
الكرش في كثير من الأحيان ليس قَدَرًا، بل نتيجة طبيعية لتكرار السهر مع الطعام، وقلة الحركة، وحب الراحة، والإفراط في المأكولات الدسمة. يقول النبي ﷺ : “ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه.”
فلو التزمنا بهذا الحديث النبوي لما وجدت بطونًا تتدحرج أمام أصحابها!
الكرش ليس مجرد منظرٍ غير جميل، بل هو رسالة صامتة من الجسد تقول: “لقد أتعبتني!”؛ فهو سببٌ لمشاكل في القلب، والضغط، والسكري، وآلام المفاصل، وضعف الهمة. والجسد أمانة كما قال النبي ﷺ“إنَّ لِجَسَدِكَ عليك حقًّا”.
ثم إن المظهر له أثر في الدعوة والهيبة، فالداعية أو العالم أو الأب حين يظهر بمظهر الاعتدال يترك في النفوس أثرًا من الانضباط، أما إذا ظهرت عليه آثار الشبع والراحة الزائدة ضاعت المهابة وضعف التأثير، خاصةً في بلاد المهجر حيث أصبحت الرياضة جزءًا من نمط الحياة، وأضحى الكرش علامة على الإهمال وعيبًا على صاحبه.
نعم، هناك من يعانون من أمراضٍ أو اضطراباتٍ تجعل زيادة الوزن قدَرًا لا تقصيرًا، وهؤلاء يُعذرون ولا يُلامون، لكن الأغلب من الناس لا يعانون من ذلك، بل من ضعف الإرادة أمام الطعام، ومن قلة الحركة أمام الراحة.
فيا من أثقلت البطون أجسادكم، لا تبرروا الكسل بالقدر، فالله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم. وابدأوا بخطوة صغيرة! قلّلوا اللقمة، وحرّكوا الجسد، واذكروا أن القوة في الإسلام مطلوبة، كما قال النبي ﷺ: “المؤمن القوي خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف.”
ليكن شعارنا:نؤمن بالقدر، لكننا لا نُقصّر في الأسباب.
فالكرش ليس قدرًا دائمًا، بل قد يكون تقصيرًا مغلفًا بالتبرير. واللبيب من اتعظ قبل أن يُعاتب، وأصلح نفسه قبل أن يعتذر.
بقلم: عبدالنور حسن رشيد( بشاش)
















