شاركت أمس الخميس الثامن من شهر ربيع الثاني من عام ١٤٤٢ للهجرة ، الموافق له الرابع من ديسيمبر من عام ٢٠٢٠م في حفل بهيج اقيم بمناسبة افتتاح مؤسسة الشيخ محمد معلم حسن رحمه الله تعالى ، الداعية المفسر الصومالي الشهير الذي وافته المنية قبل عقدين من الآن.
شارك في الحفل عدد من القيادات المجتمعية: من العلماء والدعاة وأساتذة الجامعات والمثقفين والأعيان والتجار والشباب والمرأة وغيرهم.
وتعنى المؤسسة التي يرأسها الدكتور محمد ديرية صبرية بالعمل على مواصلة رسالة الشيخ في نشر القرآن وعلومه وفي مقدمتها التفسير ، بألإضافة إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وفق المنهج القرآني.
وظاهرة إنشاء المؤسسات باسم العلماء والمشاهير لعلها ظاهرة جديدة في مجتمعنا، فقد شهدنا قبل عام تقريبا حفل تدشين مؤسسة الشيخ عمر الفاروق حاج عبد السلطان الداعية الشهير والعالم القرآني المعروف الذي لايكاد يخلو بيت صومالي من تفسيره، واليوم نشهد إعلان مؤسسة جديدة باسم الشيخ محمد معلم حسن، رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته ، ونفع بعلمها الأمة .
الشيخ محمد معلم أبو الصحوة الإسلامية في الصومال
تطابقت كلمة المتحدثين من العلماء في الحفل على أن الشيخ محمد معلم أبو الصحوة الأسلامية المعاصرة في الصومال، والرجل القرآني الأول في القرن الإفريفي. ومما برهن ذلك أن معظم المتحدثين في الحفل على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم الفكرية كانوا من تلاميذ الشيخ وطلابه ، يكنون له الفصل والامتنان في فتح عيونهم على القرآن بصورة لم يعهدوها من قبل ، ويحفظون له الجميل والعرفان ، ومن هؤلاء الذين تحدثوا في الحفل ممن تتلمذ على يديه على سبيل المثال لا الحصر : الشيخ الدكتور محمد ديرية صبرية رئيس المؤسسة، والشيخ محمود شيخ إبراهيم Suuley، خطيب مسجد الشيخ علي صوفي والمدرس فيه، والشيخ بشير أحمد صلاد، رئيس هيئة علماء الصومال ، والشيخ الدكتور محمد علي إبراهيم ، وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق في حكومة الشيخ شريف، والشيخ الدكتور أحمد طاهر أويس وهو داعية مشهور ، والشيخ عبد القادر علي عمر ، النائب البرلماني السابق ووزير الداخلية الأسبق في حكومة الشيخ شريف، والشيخ يوسف علي عينتي ، رئيس مجمع علماء الصومال ، والنائب البرلماني السابق، والشيخ الدكتور عمر عبد الله علي ، عميد الدارسات العليا بالجامعة الأسلامية ، والشيخ الدكتور عبد الرزاق معلم آدم الداعية الإسلامي ، والشيخ يوسف تورحمى جمعالي داعية وموثق عقود ، وغيرهم كثير .
ورغم أنني لم أتشرف بالتتلمذ على الشيخ ولم يجمعني به مجلس سوى مرتين ، الأولى: كانت في عام ١٩٩١م بعيد سقوط نظام سياد برى، جلست إليه ذات يوم وقد استأنف درس التفسير في مسجد التضامن في مقديشو، ونظرا لسفري مباشرة بعد تقلب الأوضاع رأسا على عقب لم أتمكن من التتلمذ عليه.
والمرة الثانية: كانت في عام ١٩٩٤م تقريبا في السودان عند ما جاء زائرا برفقة علماء آخرين وقد التقى هو والوفد العلمائي المرافق له بالطلاب الصوماليين هناك في جامعة إفريقيا العالمية وألقى محاضرة للطلاب ، وكنت إذ ذاك من الطلاب المستمعين إليه ، ولا أزال أذكر حتى الإن بعض توصياته لنا، ومنها : (أن العلم إن أعطيته وقتك كله أعطاك بعضه، وأن أعطيته بعض وقتك لم يعطك شيئا) . ومنها: (أن طلب العلم والتخصصات المختلفة فرض كفاية ، ولكن اذا اختار الطالب تخصصا معينا فيصبح إتقان هذا التخصص فرض عين عليه).
إلا أنني بعد الاطلاع على سيرته ومسيرته العلمية والعملية الحافلة بالعطاء والغناء – على قلة ما كتب عنه – اتضح لي تميز شخصية الشيخ في العديد من الجوانب ، بحيث يصلح اعتباره نموذجا للعالم الرباني الصالح المصلح الداعية المربي الصابر المجاهد في سبيل ترسيخ الرسالة الربانية والقيم القرإنية .
حياته نموذج للعالم الصومالي ورمز للوحدة الوطنية:
فقد ولد الشيخ ونشأ في بيئة غير البيئة التي ينتمي إليها والده (هيران) التي هاجر منها طلبا للعلم والقرإن ، وترعرع وتربى عند أخواله في منطقة باي وبكول ( وهي منطقة اشتهر أهلها بحفظ القرآن وتحفيظه ويقصد إليها لذلك من مناطق مختلفة) بعد وفاة والديه في صغره ، ثم هاجر طلبا للعلم إلى مناطق الصومال الغربي والشمال الغربي ، وفيها برع في العلوم الإسلامية والعربية ، وانتقل بين حواضر تلك المناطق جكجكا و دردوا و هرجيسا دراسا ومدرسا ، ثم هاجر إلى مصر فأكمل في الأزهر تعليمه الجامعي ونال الماحستير في العقيدة والفسلفة وسجل الدكتوراه. بعد مرور رحلته كلا من: إثيوبيا وأرتريا والسودان ، ثم رجع إلى مقديشو العاصمة واتخذ منها مركزا لنشاطه الدعوي ؛ وبهذا يكون قد احتك من خلال رحلاته العلمية والعملية كثيرا من المناطق الصومالية التي يحق له الانتماء لكل منها ، ويحق لكل منطقة منها الاعتزاز بمناقبه والافتخار بمآثره.
وهكذا كانت حياة عامة علماء الصومال الكبار ، تكثر رحلاتهم وتتعدد مواطنهم ومناطقهم ، وتتشعب علاقاتهم وصداقاتهم وأنصارهم وولاءاتهم ومصاهراتهم .. فلا تتسع لهم الانتماءات الضيقة ، سواء منها القبلية : عمومة وخؤولة ، او الجهوية ، أو الحزبية والطائفية، فأقدارهم أكبر من ذلك ومنازلهم أرفع، وكذلك كان الشيخ محمد معلم رحمه الله رحمة واسعة.
رمز للصحوة ووحدة الصف الإسلامي:
أضف إلى ذلك زعامته الرووحيه لجميع التيارات الإسلامية المختلفة ، وأبوته للصحوة الإسلامية المعاصرة في الصومال بمختلف توجهاتها وتنوع مشاربها ، كما كان أيضا حريضا على لم شمل كلمة الأمة عموما ، والتيارات الإسلامية خصوصا التقليدية منها مثل الطرق الصوفية المختلفة ، والتيارات المعاصرة ، حيث كان على علاقة جيدة مع الجميع ، وكان مركزه الذي انطلق منه مسجد المقام في مقديشو الذي كان يعتبر معقل الطريقة القادرية ، فكان يدرس فيه التفسير الذي انخرط فيه الجميع ، وشع منه النور الذي أرجاء البلاد وانتفع به الجميع .
وبذلك كانت حياة الشيخ محمد معلم رمزا للوحدة الإسلامية كما كانت رمزا للوحدة الوطنية ، ورمزا للدعوة والنضال ضد الشيوعية والماركسية والدكتاتورية وجميع الأفكار الهدامة والتيارات المنحرفة الشريرة . فقد كات باختصار ثروة وطنية ، على الجميع المحافظة على تراثه ومنهجه . وإن كان قد ناله ما نال ثرواتنا الوطنية العامة البشرية وغيرها من الإهمال والضياع.
وتعظم المهمة التي تقع على عاتق مؤسسة الشيخ محمد معلم الناشئة ، حيث ينتظر منها : بعث منهجه ، وإحياء تراثه ، والمحافظة على خط السير الذي كان ينتهحه في حياته ، من الدعوة والإصلاح والوسطية في منهجاجه الدعوي والسياسي والاجتماعي.
ونسأل الله للقائمين على هذه المؤسسة – وعلى رأسهم زميلي الفاضل الدكتور محمد ديرية صبرية – أن يوفقهم لما فيه الخير والصلاح وأن يسدد خطاهم ويعينهم على أداء المهمة التي تحملوها.