كالمستجير من الرّمضاء بالنّار
هذا مثلٌ عربيّ يُقال لمن يطلب النّجدة من شخص بسبب مشكلة ألمّت به، فيقوده ذلك إلى محنة أشدّ ممّا كان فيه.
أتذكّر هذا المثل كلّما نظرتُ إلى حال البلد، وتابعت تصرّفات قياداته على مختلف المستويات، فأراهم يتسابقون إلى نهب ثرواته، سواء عبر الاستيلاء غير الشرعي على مقدّراته، أو من خلال اختطاف الوظائف وتغليفها بمظاهر قانونية.
أتساءل: كيف يمكن أن يخرج هذا البلد من أزمته، في حين أنّ قياداته مواطنون شكلًا، وأجانب فعلًا، تسلّموا المناصب لا ليخدموه، بل ليغتربوا داخله؟!
لقد أصبح من يتبوّأ منصبًا ذا شأن في مؤسسة خدمية، أو يتولّى مسؤولية عامة، أوّل ما يفكّر فيه هو كيفية إخراج أولاده وثروته إلى الخارج، ليصبح مغتربًا في وطنه، يرسل كلّ ما يكسبه إلى بلد آخر. حتى إنّ أحد الجنرالات المتقاعدين مازح المحافظ السّابق، عند مشاركته في افتتاح فندقٍ له، قائلًا: إنه أفضل المختلسين، لأنّه بنى بثروته المُخْتَلَسة مشروعًا داخل الوطن، بدلًا من تهريبها إلى الخارج كما يفعل غيره. ورغم أنّها وقعت في جيب المُخْتَلِسِ، فقد اعتبر هذا الجنرالُ المحافظَ “أفضلهم” لأنّه لم يُهرّب أمواله كلّها.
أمّا إذا مرض أحدهم، أو احتاج إلى فحص طبي، سافر فورًا إلى الخارج، وهذا إن كان مواطنًا لا يحمل جنسية أوروبية. أمّا أصحاب جوازات الدول المتقدّمة، فحدّث ولا حرج! فقد اغترب أكثرهم إلى الوطن أصلًا، بعدما فشلوا في تحقيق حياة كريمة في المنافي التي هاجروا إليها. فكثير منهم أبناؤهم يقيمون هناك، وهذا وحده كافٍ لندرك أنهم يجمعون المال هنا ليرسلوه إلى هناك.
السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت غالبية قيادات المجتمع – بما فيها الطبقة الوسطى – لا تثق باستقرار البلد، ولا بمؤسّساته وسلطاته، ولا بتعليمه وخدماته، وهي الجهة المسؤولة عن إصلاح كلّ ذلك، وقد انحصر دورها في نهب ثرواته (إلّا من رحم ربّك، وهم قلّة نادرة) لبناء مستقبلها في بلدان أخرى،
فمن يبني هذا البلد؟
ومن ينقذه من هذه القيادات المفلسة، التي ترى النهب شجاعة، والخداع ذكاء، والسّطو بطولة؟!















