لن أخفي عنكم أنني دفعتُ ثمنا باهضاً لأجل الصراحة وعدم المجاملة في هذه المقالات، وأفقد عددا من المتابعين والأصدقاء تفرق بيننا الرؤية والأفكار وتتشعب بِنَا السبل والطرقات، وسأصبح عدواً لئيما بعد ما كنتُ صديقاً كريما، ولا أرى بأساً في ذلك ما دمتُ في طريقي الذي قصدتُ اليه، وأعتبر مقالاتي علي الصواب.
أعتذر إليكم أيها الأصدقاء، وأتمنى أن تتفقوا معي بعد مرور الأيام واكتساب الخبرات بما أننا في مرحلة الطفولة التي لا ترى الصواب إلا على طريقها، ولن تفهم الحقائق إلا بعد البلوغ ونضج العقول مع ضياع الفرصة التي لا تباع بالثمن.
قيل “يظل الرجل طفلاً, حتى تموت أمه, فإذا ماتت شاخ فجأة”!.
مشكلتنا نحن الدعاة الصوماليون وخاصة الشباب”بمفهومه اللغوي” من لم يجد منبراً يخاطب منه الجمهور لكي يتنفس ويبلّغ المستهدفين ما يراه مناسبا يجلس المجالس، ويجتمع مع أصحابه ليوزّع التهمة، ويصنّف العلماء بما ينقص قدرهم أو يوهن أمرهم، ومن ذلك الجرأة باللسان والقلم على أقوالهم وتصرفاتهم ونشاطاتهم الدعوية وإدانة إدارتهم للمؤسسات، ومحاولة تشويه أفكارهم وآرائهم، كل ذلك بدون خطا ارتكبوه ولا جريمة اقترفوها،
بل يبحث مكاناً يتصدر منه ليدير الشؤون الدعوية ويملك زمام الأمور وقد لايمتلك الخبرة المطلوبة والمعرفة المزعومة.
يتجاوز كل الحدود والتصورات ليغتاب داعية أفنى كل عمره في إصلاح المجتمع والوقوف أمام المنكرات المنتشرة ولم نرى منه إلا خيرا.
كيف لك أن تجعل نصف عملك اليومي لتتحدث عن عيوب الناس بل العلماء وتُعين أشخاصا، وتملأ مجالسكم الضحكات لأجل طعن المؤمنين أهل الفضل والتقى، ولا ترون ذلكم باساً، بل وكأنّكم تتقربون إلى الله بذكر مساوئهم عملاً بقاعدة لا تنطبق عليهم:” لا غيبة لفاسق” كما قال لي بعض الشباب.
قال الله تعالى: {ياأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}.
روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: “لحوم العلماء مسمومة، مَن شمَّها مرض، ومَن أكلها مات”؛ (المعيد في أدب المفيد والمستفيد: ص: 71).
كيف تقارن نفسك برجال بدأوا مسيرتهم الدعوية والتعليمية قبل أن تُولد أنت، وفي بداية السبعينات، ركبوا المنابر وخاضوا المعارك وشهدوا المحن ووقفوا أمام المنكرات، لهم المواقف المدونة والمذكرات المنشورة، والثمار المقطوفة.
{لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقوله الأصوليون.
إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، مسألة فقهية، وقاعدة أصولية وحكمة نبوية، نستأنس منها مقام الرجال ومنزلة الأخيار ومسير الدعوة والدعاة، وفي الحديث الصحيح” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف حق كبيرنا “.
أقول بملئ فمي إن شباب السلفية- وحدهم- بحاجة إلى تربية وتزكية النفوس، وأن يغرس في قلوبهم الإخلاص والتواضع، والتوقير والإحترام للعلماء الكبار ويُدرس لهم كتب الرقائق من جديد.
كنتُ قضيتُ وقتا من الزمن وأياما من الدهر بل سنين عديدة في حلقات المساجد أتنقل بينها، وأخذ العلم من شيخ لآخر، أستفيد منهم الدرر المكنونة، أخدم لهم، أجلس معهم لأستأنس أنوارهم الساطعة، وأستشير معهم في كل صغيرة وكبيرة ،وكانوا لنا آباء رحماء.
عرفت مزاح الطلاب ومشاجرة الخصوم ومرارة التعليم، بل صاحبت الجوع والمرض مع الحكة التي كانت تلازمنا ملازمة الظل لصاحبه، ثم التحقت ركب الأكاديمية بدءً من المستوى المتوسط حتى المرحلة الجامعية، فوجدت طلاب الصوفية أحسن تعاملا، وأشد احتراما وأوفر تواضعا وتوقيرا لعلمائهم من طلاب السلفية الذين يناقشون ويردون ويتطاولون على أئمتهم وهم دون التمييز ولن ينكر ذلك مجرّب، علماً بأن بيننا الفارق الكبير في مسائل العقيدة.
ترى الطالب الصوفي أو من الطرق – إن صح التعبير- يحمل نعال شيخه ويتواضع أمامه ولا يتكلم بحضرته، بل لا يشرب الماء بوجود شيخه إجلالا واحتراما، بينما ترى الصومالي السلفي يزاحم العلماء ويمازحهم ويتقدم بالجلوس أمام شيخه، وبعد غد يفتي أمامه، ويذكرني قول الشيخ عبد المجيد الريمي حين قال:
رحلتَ للعلم في يوم الخميس* وفي يوم سبتكَ تفتي أيها الجافي.
أرجوا تغيير أسلوب تعاملنا مع علمائنا ومشائخنا ولابد من مراجعة مناهج التربية والتزكية حتي لا نزرع أشواكا يصعب قطوفها والإستثمار منها.
يٌقال: الحاسد يراك مغرورا والمحب يراك رائعاً.
في أمان الله.
















