تَوَجَّه بعض الدول في الخليج نحو الرأسمالية، والشره الشديد لجمع الأموال، وكانت دولة الإمارات المتحدة لها القدح المعلى، والحظ الأوفر في هذا المجال، إذ؛ توجهت نحو جباية الأموال، وتحريك رأس مال ضخم، وجمع الأموال من كل جهة يمكن تخيلها، سواء كانت هذه الأموال حراما أو حلالا، سواء كانت بيضاء أم سوداء، وسواء كانت قانونية أو غير قانونية، صارت عاصمتها محط أنظار الأموال المغسولة، والتجارة المشبوهة، راجت فيها تبادل المخدرات، والحشائش، وراجت أيضا فيها بضاعة الخمور والبارات، وتدفقت فيها الباغيات والمومسات؛ لتسويق فروجهن، وسُنّت قوانين تكفل لحمايتهن، وممارسة البغي في رابعة النهار في الشوارع، والمقاهي، والملاهي الليلية، واستقبلت الشواذ جنسيا، وطمت وعمت دعاياتهن في وسائل الإعلان، وزينت الملاصقات الداعية إليهن على جدران البلد، وراجت بيع الخمور وحسوها في كل مكان، وتجد مطعما واحدا يجمع بين حسو الخمور وقراءة القرآن، واختلطت المآذن بالنقوس الكنائسية، وتصافحت فيها البيع مع المساجد، والمندير الهندوسي مع المصليات المسلمين، واجتمعت فيها جميع المتناقضات، وارتطمت “دبي” تحت أحضان الشركات العالمية التي تديرها العائلات اليهودية الرأسمالية، ووهَبت لها جنسيتها وبلدها؛ لتجلب هذه الأموال إلى أراضيها، واليهود ميكافيليون طبعا وسلوكا، وهم أحرص الخلق على جمع الأموال، وأحرص الناس على حياة، يعرفون من أين تؤكل الكتف، ما دخلوا بلدا إلا وسيطروا شريان حياته، واستحذوا اقتصاده.
تسعى “دبي” أن تستحوذ منافذ البحار، وأن تتحكم مرافئ السفن العالمية، والموانئ التجارية، وعينها على منافذ البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وموانئ المحيط الهندي؛ وقد نجحت في ذلك إلى حدٍّ كبير.
وفي الجانب الآخر تحاول جادة زعزعة استقرار دول الجيران المنافسة، أو الرافضة شرهها الاقتصادي، لتمرر أجندتها بلا عوائق، ولتفرض عليها شروطها، كاليمن والصومال، والقطر، وأثيوبيا، وحتى مصر والسعودية لم ولن يسلما من تأثيراتها السلبية.
وإن شره الزائد لجمع كل ما هو مال، بصرف النظر من مصدره، وأثره، لهو خطر على تقاليد الشعوب وعاداتها؛ إذا دخل حب المال من الباب خرج الدين من الشبابيك.
وعلى خط “دبي” بدأت المملكة السعودية أن تحذو، وأن تركب على قطارها؛ ولكنَّ السعودية بإرثها القديم، وتدين شعبها، وإدارتها أقدس مكانين في العالم الإسلامي، وتقاليد شعبها وتنوعاته ليس من السهولة أن تتصرف مثل حكام الإمارات، ومع هذا يبدو أن السعودية قررت أن تجازف وتتماهى مع الإمارات، وتتنافس معها بالعلمنة، واتخذت لتحقيق هذا الهدف خطوات عملية جريئة، منها:
1- اسكات جميع الأصوات المعارضة هذا الاتجاه وزجهم في السجون، ومنهم فقهاء، وعلماء، ومفكرون، واقتصاديون ورجال أعمال حرة، كل هؤلاء يقبعون في السجون منذ فترة طويلة، بعضهم تُوفوا في معتقلاتهم، وبعضهم تدهورت صحتهم وما زالوا في السجون.
2- إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن المخطط لجمع الأموال، والسير نحو الرأسمالية يتعارض مع واجب هذه الهيئة؛ لأن الرؤية الاقتصادية تقتضي تصنيع وإنتاج وفتح بارات للخمور، ودور السينمات، واستراد المغنيات، وإقامة حفلات ماجنة!
3- اسكات مكبرات الأصوات التي تصدح بقراءة القرآن، وترمي خطب الجمعة في قعر البيوت المجاورة للمسجد؛ وهذا مما يتعارض مع الرؤية الثلاثين، وجلب السياح الأجانب، وفتح البلاد للكفار الذين تزعجهم هذه الأصوات!
4- تكوين هيئة للترفيه، واستثمارها برؤوس أموال ضخمة؛ لجذب السياح الأجانب، وإقامة حفلات ماجنة، وجمع المطربين من أنحاء العالم، وإقامة مسابقات رياضية متنوعة؛ بدون مراعات خصوصيات البلد.
5- تغيير نظام التعليم، واسقاط المواد المتعارضة مع الاتجاه الجديد، وإدخال مواد تتواكب مع خطة الثلاثين، كإسقاط الولاية على البنات، وتدريس مادة الجنس، والتربية البدنية.. وغيرها..
6- إقامة مجمعات ومدن ضخمة، تتوفر فيها جميع التسهيلات، وترتبط بالعالم الخارجي، ويكون لها قوانين، ونظم خاصة، تخالف نظام البلد العام؛ لجلب الأموال، والتجارة، والشركات العملاقة، كمدينة “نيوم” الجديدة.
هذه التحولات التي تحصل في الخليج وقلب العالم الإسلامية بذريعة بحث ظفرة اقتصادية؛ وأنه لا يمكن حصولها إلا التخلص من الموروث القديم من التدين، وتحريم الربا، وشرب الخمور، والاختلاط.. وغيرها هل يأتي أكله، وهل يتحقق هذا الحلم للعمانيين والليبراليين، أم سيصطدم مع الواقع الاجتماعي؟ هذا مما سينكشف أمره في الأيام القليلة القادمة، وإن غدا لناظره لقريب، وقد صدق الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال: “مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ، بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ”.
ملاحظة: المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط،ولا يعبر عن سياسات الموقع
















