شاهدت المقابلة التي أجرتها قناة الرسالة مع السيد فهد بن يسن الحاج طاهرالسياسي والإعلامي المشهور، وقد تناول موضوعات متعددة بالعرض والتحليل والتقييم بدءا من تعريف نفسه وانتهاء بالشأن السياسي الصومالي الحاضر، وبطبيعة الحال انقسم المتابعون بين مادح يمجّد طرحه ورؤيته طربا وموافقة ، وأخر يفند ويعارض رأيه نقضا ونقدا، ولا غرو في الأمر ، فالإنسان منذ القدم لم يسلم أحد من المعارضة والخلاف، وفي القضايا زوايا وخبايا تتباين فيها الرؤى والإدراكات، فكما يقول المتنبي :
تَخالَفَ الناسُ حَتّى لا اِتِّفاقَ لَهُم ** إِلّا عَلى شَجَبٍ وَالخُلفُ في الشَجَبِ
فَقيلَ تَخلُصُ نَفسُ المَرءِ سالِمَةً ** وَقيلَ تَشرَكُ جِسمَ المَرءِ في العَطَبِ.
فكيف بحال الأزمة الصومالية التي قاربت التيه أربعين عاما؟ ووطن أضاعه القريب ويستبيحه الغريب طمعا لخيراته وثرواته الجمّة، والصوماليون بارعون في حلّ المشكلات الخارجية إلا مشكلتهم الداخلية وتلك من عجائب الزمان
ويمكن لي طرح الملاحظات والتعليق فيما جرى في الحوار:
1- قوة الانتماء والثقة بالنفس
عادة بعض الإسلاميين في السياسة إخفاء هويّتهم والتنكر للماضي الجميل في الدٌَعوة ورحاب الحركات والطرق ليكون أكثر قبولا عند المجتمع الدولي أو القبيلة السادسة في الصومال، ولكن تمّيز السيد فهد حاج طاهر بقوة الانتماء والافتخار بتكوينه الديني والحركي بأنّه كان معلما للقرءان وإماما للمساجد وطالب علم في الحلقات قبل أن يكون إعلاميا وسياسيا، وهذه الشفافية يمكن أن تعزز مصداقيته أمام الجمهور.
2- كلّ كاتب قارئ نهم وليس العكس
أثناء حديثه عن تأليف كتابه عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ودواعي التأليف يرى المتابع أنه قارئ نهم حيث أنّ القراءة أمّ الكتابة، وليس العكس، ويجيد الكاتب الكتابة باللغة الصومالية حيث كنتُ من متابعيه قبل عشرين عاما عبر مقالاته في موقع صومالي توك قبل أن ينضم إلى قناة الجزيرة، وقد أصاب عند ماقال :” أن الجيل الصاعد غير مهتم بالحلقات، وأنّ اللغة العربية في انحسار،” فالحلقات كانت تاريخيًا المصدر الأساسي لنقل العلوم الشرعية وغرس القيم الإسلامية في المجتمع الصومالي، وهذا الانحسار مشكلة تهدد الدعوة والتعليم الشرعي في الصومال فالمعاهد وكليات الشريعة لم ولن تغني عن حلقات الجامع.
3- التقييد ادّق من التعميم
الأسئلة الصحفية تُطرح أحيانًا بذكاء لاستدراج *المحاوِر* وكشف ما لديه، أو لاستفزازه ودفعه للانفعال والإجابة عن كل شيء، ومع ذلك، كان تعامله مع العديد من هذه الأسئلة يتسم بالحذر والتقييد، إما بالإجابة عن جزء من السؤال فقط، أو بالاعتذار عن الرد تمامًا. وربما يعود ذلك إلى خبرته الصحفية والأمنية، التي تجعله أكثر حرصًا على انتقاء كلماته وعدم الانجرار إلى الثرثرة أو التصريح غير المدروس.
4- سياسي له رؤية ثاقبة
فرضت السياسة نفسها على الجميع، بغض النظر عن مجال عملهم، فالوضع في الصومال منذ ربع قرن يسير في دائرة مفرغة، حيث تعيق العشائرية تقدم الدولة، وتُلغى المواطنة والكفاءة في شغل المناصب لصالح نظام المحاصصة 4.5. مما عمّق أزمة البلاد وأعاق مسار التنمية والاستقرار.
والسيد فهد طرح رؤيته السياسية وتقييمه لأداء الحكومة الحالية بقيادة الرئيس الدكتور حسن شيخ محمود، مبرزا نقاط ضعفها في التعامل مع الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، وبالمقابل يمكن القول أن حكومة فرماجو السابقة لم *تطبق* الديمقراطية وفشلت قي اجراء انتخابات نزيهة خلال فترة حكمها.
5-الارتباط الوثيق بين الإعلام والسياسة
يلعب الإعلام دورًا محوريًا في توجيه النقاش السياسي، ، وتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والأمنية، مما يجعلها ركنًا أساسيًا في تشكيل الوعي العام، حيث باتت “الترندات” والتفاعل اللحظي مع الأخبار هي المحرك الأساسي للرأي العام، والمقابلة تفاعل معها المشاهدون بين ناقد ومادح كحال شاغل الناس وشاعر الدنيا القائل:
أنامُ ملءَ جفوني عن شواردِها **ويَسهرُ الخَلْقُ جَرّاها و يَختَصِمُ.
6- ما للسيرة من أهمية في القيادة.
السيرة النبوية مصدرخصب للاستنباط والتأسي بالحلول السياسية التي اعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة العالم وإخراج الناس من عبادة العباد الى عبادة ربّ العباد، على سيبل المثال كنت يوما مع الاستاذ عبد الرحيم أيانلي ،وكان معه رجل أعمال هندي في إحدى مساجد حيدر أباد يناقشون مسألة نشر الدعوة في *إحدى* قرى الهند، فلما شرح القصة قلت للهندي جماعة التبليغ وجولات المسافرين ليس حلا أبديا ، والأفضل أن تعلّم مجموعة من أبناء القرية بعدها يرجعون إلى القرية ويعلمون الناس الأساسيات وأركان الدين بعد ها تنجح المسيرة، فاستفسرني الهندي هل عندي دليل لهذا النموذج؟ قلت الأمثلة في السير ة النبوية كثيرة ،كان الناس يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ويمكثون عنده أياما ثم يرجعون إلى قومهم فتسلم بعض القبائل كمافعل الطفيل الدوسي وآخرون رضوان الله عليهم.
7-أهمية الاستشارة قبل كل شيئ.
البعض يطلب المنصب بأي وسيلة، وقد يخفي عن أحبابه وأقربائه، لكن التاريخ يشهد أنّ السيد فهد رفض الوزارة أيام فترة حسن شيخ الأولى، ويكثر في حواره مع قناة الرسالة كثرة الاستشارة مع العلماء والخبراء والمفكرين، وذكر بالاسم قائمة ممن استشار معهم بالاستفادة من تجاربهم ، حتى في أي مجال يبدأ بالتصنيف والتأليف؟ وتلك ميزة نادرة لدى الساسة، مع أن الاستشارة والاستخارة هدي نبوي مطلوب، يقول العلامة ابن المقرئ
إنَّ المشاوِرَ إما صائبٌ غرضاً *** أو مخطئٌ غير منسوب إلى الخطل.
ويقول الآخر:
شاور سواك إذا نابتك نائية *** يوما وإن كنت من أهل المشورات
فالعين تبصر منها ما دنى وما نأي *** ولا ترى نفسها إلا بمرآة.
عيدكم مبارك