الحياة الغربية بين الفوائد و الخسارة
*بين الأسرتين*
*الحلقة الثانية*
الأسرة التي تقطن في الغرب، تغلغلت فيها الفكرة النسوية، وشربت من أفكار ندية المرأة للرجل حتى تعودت عليها، فالأم المتدينة – ناهيك عن غيرها – فقدت مناعة مقاومة الأفكار النسوية حتى طاحت في حضنها، وتبنت سلوكيا أفعالها، وسلكت عمليا في دربها وهي لا تدري، وتخمرت في خيالها أبجدياتها حتى انقادت لها بدون شعور؛ إذ الجار يجر جاره إلى أفكاره وأفعاله، والمرء على دين خليله، والصاحب ساحب، والبيئة قالب ينتج المتشابهات..
ولما انتقل الصحابة من البيئة المكية إلى بيئة المدنية شعروا أثر المحيط بيوتهم، ولاحظوا تيغير عادات زوجاتهم تأثرا بالبلاد الجديدة وعاداتها، فالمرءة القريشية لم تكن من عادتها مخاصمة زوجها، وتجاذب أطراف الجدل معه، بل كانت تختار الصموت عند فوران الغضب، وترجئ الإعراب عما في نفسها إلى وقت مناسب، وإلى جوّ ملائم؛ لتوضح وجهة نظرتها لبعلها…
أما المرءة المدنية فكانت تراجع زوجها في حال الهياج والغضب، وتدلي بدلوها، وتصرح طلب حقها في الحال؛ فإذا النساء القريشيات تتعلمن هذه العادات من المدنيات، وتتأثرن بالعادة السائدة لدى الأنصاريات، وهو ما فاجأ عمر بن الخطاب لما وجد زوجته تجاذب معه أطراف الحديث، وترد الصاع بالصاع، والكلمة بالكلمة، والقول بالقول…
فإذا كانت هذه البيئة القريبة تفعل مثل هذه الأفاعيل في نساء قريش، وتغير الطبائع في هذه الفترة الوجيزة، فلماذا تتوقع من البيئة الرومية التي أنسابها بعيدة، وعاداتها غريبة، ونظرياتها شاذة، وترجل كثير من نسائها، وتأنث كثير من رجالها، وتجد طوابير من الرجال في المستشفيات طلبا للخصي، وهروبا من الحياة الزوجية التي لا تطاق، وتفضيلا العقم على الإنجاب…
ولا شك أن هذه البيئة بالغة تعقيدها، واغلة تأثيرها، قاتلة أسرتها، جارفة سيولها، حارقة زروعها…..
ولا زلتُ أذكر كلماتِ العِتاب لذلك الأب الذي كان ربّان السفينة، وسيد بينه، وأمير أسرته منذ عشرين عاما، في زمن البحبوحة، والبيئة الصالحة
فلما رمت هو وأسرته الأقدار إلى أرض المهجر؛ طلبا لرغد العيش، وجد أن سيادته تزعزعت، وأن قيمته نزلت، وأن مرتبته في الأسرة تزحزحت إلى دركات ما دون الأولاد، وأن الأم استبدت كل شيء هي الآمرة والناهية، تقلدت على المنصبين الأمومة والأبوة، ولا يعدوا قدر الزوج عن خادم ينفذ الطلب بلا نقاش، ويقوم بالواجب بلا تردد…
فلما وجد نفسه في هذه الحال نادى زوجته فقال لها: ” كما تعلمين كنت مسؤولا عن الأسرة عشرين سنة ماضية، واعتقد بأني أديت واجبي بأحسن ما يرام حتى استلمتِ راية القيادة في الآونة الأخيرة حينما انتقلنا إلى هذه الأرض، فأرجو منك إن تحسني القيادة كم أحسنتُها، وهل جزء الإحسان إلا الإحسان…
ومما أعطى الموضوع بعدا، وزاد للمشكلة انتشارا، بعض الدعاة المنهزمين نفسيا، السالكين سبيل الغرب حذو القذة بالقذة، الذين يلوون أعناق النصوص لتتماهي مع الأفكار الغربية تجاه الأسرة،
ويزلفوا إلى قوانين القوم بتفسير نصوص الوحي تفسيرا غربيا على شاكلة التفسير الإسرائيلي..
فمثلا لا يجوز عندهم الزواج على المرأة، ولا التعدد؛ لأن القرآن علق بجواز التعدد شرطا لا يمكن تحقيقه وهو العدالة وهي مستحيلة في البيئة الغربية، إضافة إلى ما يترتب عليه من فساد عريض من تشتت الأسرة، وضياع الذرية؛ لأن المرأة تطلق الرجل متى تشاء؛ فإذا تزوج عليها فإنها تطلقه حتما! فإن مثل هذه الذرئع تكرر في الخطب والمحاضرات حتى صارت قاعدة ثابتة، وتصورا متجذرا في أعماق الناس…
والطلاق الذي تصدره قاضية ملحدة معترف لدى هؤلاء المنهزمين، ويصدقون به، ويعطونه صبغة شرعية، والقاضية التي أصدرته لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا تعرف زواجا شرعيا أصلا، وهي متفننة بتدمير البيوت، ومتقنة بإغراء النساء على بعولهن، وماهرة باستعداء الرجال على أزواجهن، وهي حاملة لواء إبليس؛ لتشتيت الأسر، واصطياد الذرية، ومع هذا كثير من هذه المراكز الإسلامية تجيز قرارها من الطلاق والفسخ الذي لا مستند له شرعا، وتنفذ حكمها، وتوثق طلاقها، وتزوج المرأة التي طلقت بهذه الصورة زوجا آخر…
#يوسف أحمد محمد
















