المحاضرة رقم (95- أ) لمحات من روائع إسماعيل بن أبي بكر المقري (عصر المقري – نبذة من حياته – مؤلفاته)
المحاضر: سلطان نعمان البركاني
ألقيت المحاضرة في: 16 أغسطس 2014م
مقدمة
أثناء دراستي في الصف الثالث الثانوي في العام الدراسي 84/ 1985م كان ضمن المقرر علينا في النصوص قصيدة صفي الدين الحِلِّي( ):
خلع الربيع على غصون البان *** حللا فواضلها على الكثبان
فحفظتها كاملة رغم أن المقرر بضع أبيات منها، وكنت معجبا بوصف الشاعر للربيع في تلك القصيدة، رغم وجود قصائد أخرى في ذات الموضوع أجمل وأبلغ بوجهة نظري، كقصيدة البحتري:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا *** من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وبعد تخرجي من الثانوية أثناء أدائي خدمة الدفاع الوطني وقع في يدي كتاب حديث الطبع بعنوان: (إسماعيل المقري حياته وشعره) للباحث طه أحمد أبو زيد فتلقفته بلهفة، إذ كان حينها هيامي بالشعر والأدب لا حدود له، فكيف إذا كان هذا الشعر للمقري الذي سمعنا عنه كثيرا من كبار المثقفين من خلال أحاديثهم عن كتابه البديع (عنوان الشرف الوافي)، ولم نطلع على شيء من انتاجه، ومن أول وهلة رحت بنهم أقرأ الكتاب الذي وقع في يدي وارتشف بشغف ما يحوي من الروائع الشعرية القصيدة تلو الأخرى، وكنت حينها لشدة حبي الشعر أحفظ القصيدة التي تروق لي بمجرد قراءتها لمرة واحدة، ومع قدرتي على الحفظ آنئذ كنت أحيانا أحاول حفظ بعض الأبيات والمقطوعات للاستشهاد بها وسريعا ما انساها. وباستمراري في القراءة وصلت إلى قصيدة للمقري في وصف روضة، ومطلعها:
بشراك بشراك هبت نسمة الفلق *** على المصابيح تطفيها من الأفق
هذه القصيدة كانت مما يروق لي من الشعر المحبب إليّ، فما أن قرأتها حتى حفظتها، بل وجدت نفسي أتغلغل في أعماقها، وتلقائيا أعادتني إلى قصيدة صفي الدين الحلي (في وصف الربيع) التي كانت مقررة علينا في النصوص، كما أشرت سلفا.
ولأن الشاعرين عاشا في عصر واحد، وهو ما اصطلح على تسميته بالعصر المملوكي بكل سماته وما ساد فيه من الصنعة والاسراف في استخدام المحسنات البديعية، وكذلك لتشابه موضوع القصيدتين، ولأنهما متقاربتان في المعنى وتدوران في فلك واحد، رحت أقارن بينهما من النواحي البلاغية والجمالية، البيانية والأسلوبية، فوجدت أن قصيدة المقري تتفوق على قصيدة الحلي في كثير من الجوانب، منها جزالة الألفاظ وحسن التراكيب وجمال الصور، فعجبت من أمر القائمين على المناهج الدراسية في بلادنا، متسائلا: أيغفل مثل هذا العلم الشامخ العالم الفذ والأديب المبدع الشاعر المتألق.. كيف لا تتضمن تلك المناهج شيئا من الإنتاج الفكري والمعرفي الذي جادت به قرائح فرسان الأدب وأساطين البيان في اليمن، وهي التي تزخر – ولا شك – بكوكبة من أعلام الشعر ورموز الثقافة، كالمقري وأمثاله، الذين ما نزال نفاخر بما بلغوه من المكانة السامقة في دولة العلم والأدب، وسنظل نباهي بما تركوا من موروث فكري وثقافي على مر السنين والحقب. أليس من حقه علينا أن ننشر ما وقع بين أيدينا من روائعه؟! أليس من حقنا أن نتعرف على رموز الفكر في بلادنا؟! أليس من حق الطالب اليمني أن يعرف أجداده وما كانوا عليه من الرقي الفكري والازدهار الثقافي والمعرفي ويطلع على شيء من انتاجهم؟!!.
والحقيقة أن الأدب اليمني لم يعط حقه من البحث والدراسة ولم يحظ بالاهتمام اللازم، وبسبب اهمالنا لتراثنا وجهلنا به لم نقدره حق قدره الأمر الذي جعله مجهولا عندنا وعند غيرنا من العرب، وما قدم منه لا يعدو محاولات جزئية تفتقر إلى العمق والشمول، والكثير لا يزال مخطوطات تقبع في بعض المكتبات العامة والخاصة لم تظهر إلى النور بعد، ما حدا ببعض المهتمين بالأدب العربي إلى إنكار أن اليمن فيها شعراء، وقد تحدث الأستاذ أحمد الشامي عن هذه الظاهرة في كتابه (قصة الأدب في اليمن) فقال: لعل الأدب اليمني هو الأدب الوحيد – بين آداب اللغة العربية – الذي لم يعن به الأدباء.. لا أقول العناية التامة بل حتى ولا القليل منها.. لا من قبل أدباء اليمن ولا من قبل أدباء العربية ومؤرخي آدابها في الأقطار الأخرى.. على السواء، النثر منه والشعر، والمحكم والحميني، والقديم والحديث( ).
وتحدث عن هذه الظاهرة أيضاً الأستاذ عبد الله الحبشي فقال: حظي تاريخ الأدب العربي في البلاد العربية بالعناية الكبيرة فكتب فيه عشرات المؤلفات وقامت عليه أسماء من أدبائنا الكبار، مثل: طه حسين، والعقاد، وشوقي ضيف وغيرهم، وكان جل اهتمامهم بتاريخ البلاد المعروفة لهم، كمصر والشام والعراق، وقليل منهم من أولى عناية لما عدا هذه البلدان، وعلى الأخص اليمن التي كادت تختفي من كل تلك الكتب وغيرها( ).
فمثل المقري وما أبدعه من شعر وتصانيف فريدة كان يجب أن يأخذ مكانه اللائق به في كل منابر العلم وموارد الثقافة في بلادنا، وأن يأخذ موقعه الجدير به في كل المؤلفات ذات العلاقة بالموروث الثقافي بما فيها المنهج الدراسي لا لاعتباره يمنيا فحسب، بل لأنه من وجهابذة اللغة وأرباب البلاغة وأعمدة الفصاحة في العصر المملوكي وله نصوص شعرية يتفوق بها على معاصريه من الأدباء والشعراء من خارج اليمن الذين اختير عدد منهم لتمثيل ذلك العصر، ولا مانع أن يكون إلى جواره بعضهم.
وعلى كل ظل المقري هاجسا يلازمني ورحت أتتبع أخباره وأبحث باستمرار عن روائعه، فحصلت على مصنفه البديع: (عنوان الشرف الوافي) الطبعة القطرية، أهدي لي من أحد الأقارب المغتربين في السعودية، وبعد فترة عثرت عند أحد الأصدقاء على صورة منسوخه لديوانه الشعري الذي طبع في الهند عام 1305هـ، وهو نسخه مصورة من الديوان المطبوع المودع بدار الكتب المصرية، فاستأذنته بنسخه على آلة تصوير فلم يمانع، ثم بعد فترة عثرت على نسخة من: (الفريدة الجامعة للمعاني الرائعة) فاقتنيتها، وهي قصيدة شعرية في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم – تتكون من (144) بيتا متضمنة لجميع أنواع البديع شرحها المقري في كتاب، طبع وزارة الإعلام والثقافة اليمنية، ثم عثرت على كتاب: (حياة الأدب اليمني في عصر بني رسول) للباحث الأستاذ عبد الله محمد الحبشي وفيه الكثير عن المقري، ولم أكتف بذلك بل كنت أتتبع كل ما يتعلق بالمقري فتكونت لدي الكثير من المعلومات عنه، وفي بداية التسعينيات بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية شرعت في الكتابة عن أعلام الإسلام في مجلة الإرشاد الصادرة عن وزارة الأوقاف اليمنية، وكان المقري أول علم عنيته بالكتابة، ولكن للأسف توقفت المجلة عن الصدور ولم أكن قد كتبت سوى حلقتين فقط.
فالمقري النجم المتألق في سماء العلم والأدب.. العالم المحقق الفقيه المجتهد الشاعر المبدع سمعنا عنه الكثير ولا نعرف عنه إلا القليل؛ نظرا لعدم توفر الكثير من مصنفاته الفريدة، والتي لا تزال رهينة المكتبات، وما نشر منها لا تتوفر لقدم إصدارها ونفادها من دور النشر، وعدم إعادة طباعتها، فرأيت أنه من المفيد أن أرفد المنتدى، بما قل وجل، ودلّ ولم يملّ من روائع المقري وإبداعاته، وذلك بغية التعريف به وإبراز شيئا مما جادت به قريحته في الجانب الأدبي، فعملت على إعداد هذه المحاضرة مستفيدا مما توافر لدي من مصنفاته وما كتب عنه، لإلقائها في المنتدى وإنزالها في كتيب ليكون في متناول الأعضاء والمرتادين تحقيقا للأهداف التي قام عليها المنتدى في الإسهام بنشر الثقافة وتوسيع آفاق المعرفة وإحياء التراث الفكري والأدبي، وسنقتصر في هذه المحاضرة على إيراد نبذة عن حياة المقري وعصره ونزر من روائعه، باختيار بعض قصائده البديعة أو مقاطع منها والإشارة لما فيها من الإبداع بشكل مجمل دون الاستفاضة في الشرح والبيان إلا حيث يتطلب ذلك، آملا أن أكون قد بلغت الغرض المقصود وحققت الهدف المنشود.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل..
* * *
عصر المقري من الناحية السياسية:
الدولة الرسولية أشهر دولة عرفها تاريخ اليمن في عصوره القديمة والحديثة، وقد اكتسبت شهرتها من حيث الفترة الطويلة التي حكمت فيها وتشجيعها للعلم والعلماء والاستقرار النسبي الذي شهدته البلاد في عهدها. وقد تحققت منجزات عدة على يد هذه الدولة في مجالات شتى من ذلك نشر العلم والاعتناء بالعلماء وتشجيع أربابه وتوسيع نطاقه وتسهيل الحصول عليه، ولأجله جلبوا العلماء وأقاموا المدارس وأوقفوا أخصب الأراضي الزراعية والعقارات، وحرصوا على جمع الكتب النفيسة.
والدولة الرسولية منسوبة إلى مؤسسها نور الدين عمر بن علي بن رسول (ت 647هـ)، وقد قامت على أنقاض الدولة الأيوبية في اليمن، حيث كان عمر بن علي من قواد هذه الدولة أيام آخر ملوكها الملك المسعود، وحين عزم الملك المسعود على السفر إلى مكة حيث مات بها، أنابه في الحكم فترة غيابه فاستبد بالأمر ودعا إلى نفسه وخطب له بذلك، ثم توالى أبناؤه وأحفاده في الملك والسلطنة.
بدأت الدولة الرسولية بالملك المنصور عمر بن علي بن رسول (626- 647هـ)، مات مقتولا وخلفه ابنه المظفر يوسف (647- 694هـ) حكم حوالي نصف قرن ازدهر عهده بالعمران الثقافي والمدني، وتوحدت البلاد اليمنية قاطبة تحت لوائه حتى وصلت أطراف مملكته إلى عمان ودخل تحت حكمه قطر الحجاز ومكة، والملك المظفر هو أول من سَنّ من ملوك الدولة الرسولية نظام ولاية العهد. توفي الملك المظفر فخلفه في الحكم ابنه الملك الأشرف الأول عمر (694- 696هـ)، وكان هادي البال سليم النية لم يستمر في الحكم سوى سنتين فتولى الحكم من بعده أخوه الملك المؤيد داود (696- 720هـ)، وكان مودعا في السجن بسبب معارضته للأشرف فأخرج وبويع له بالحكم، ولم يخل حكم المؤيد من بعض الإصلاح العمراني والرقي، حيث تم بناء القصور الفخمة والمتنزهات الكبيرة، وبعد وفاته كان قيام ابنه المجاهد علي (720- 764هـ) فحصلت اضطرابات في حكمه من قبل الطامحين في الحكم من أسرته، فقام بعمل أهوج في سبيل الحفاظ على حكمه حين اتصل بجماعة من العسكر المصريين من بقايا المماليك وطلب حضورهم إلى اليمن سنة 725هـ فدخلوا بعد أن عاثوا في البلاد فسادا وأشاعوا الخوف والنهب والسلب وكانوا يستولون على حاجاتهم بالنهب والاغتصاب حتى اضطر التجار إلى اغلاق متاجرهم وإخفاء بضائعهم.
وفي عهد المجاهد كثرت ثورات القبائل التهامية على الدولة، كما تم القبض عليه وهو في مكة من قبل العسكر المصري التابع لسلطان المماليك بحجة أنه ينوي التمرد على صاحب مصر وأخذ مقيدا إلى مصر ومكث فيها عشرة أشهر وتم الافراج عنه وعاد إلى اليمن، وبعد وفاته خلفه في الحكم ابنه الملك الأفضل عباس (764- 778هـ) تجددت ثورة القبائل وسادت الفوضى ووقعت معارك بينها وبين الدولة، وقام الإمام بمحاصرة زبيد مدة أيام ثم انفصل عنها، وبعد وفاته خلفه ابنه الملك الأشرف الثاني اسماعيل (778- 803هـ) وتجددت المعارك بينه وبين الإمام، وعاودت القبائل تمردها، وكانت وفاته بذي عُدينة، فخلفه ابنه الملك الناصر أحمد (803- 827هـ)، وقد عرف عهده بالاضطراب وكثرة الفتن، وفي عهده حدث النزاع الشهير بين الفقهاء والصوفية وحصل عليه تمرد من اخوانه فقام بعدة حملات عسكرية لتوطيد الأمن، وبوفاة الناصر يبتدئ نجم الدولة الرسولية بالأفول فيخلفه في الحكم جماعة من الخلفاء الذين لا تستقر لهم الأوضاع.
فبعد وفاة الناصر خلفه في الحكم ولده عبد الله وتلقب بالمنصور (827- 828هـ)، فلم يلبث في الحكم سوى سنة واحدة، ثم مات فتولى بعده أخوه إسماعيل وتلقب بالأشرف وكان صغير السن فلم يثبت لزعزعات السياسة وأزيح عن كرسيه بعد أشهر قلائل وتولى الحكم بعده يحيى بن إسماعيل وتلقب بالظاهر، وقد قام بالأمر أتم قيام وساس الناس بحكمة إلا أن شأن العبيد قد قوي في الدولة فقام بحملة تطهير ضدهم ونكل بجماعة من أعيانهم. وحدث تمرد من قبل أخ له انتهى بالفشل، في عهده سنة 839هـ اجتاح اليمن طاعون رهيب مات فيه خلق كثير وأبيدت قرى بأكملها، ثم مات الظاهر سنة 842هـ فقام بعده ولده إسماعيل وتلقب بالأشرف، وقد تكالب عليه رؤساء القبائل وخاصة عرب تهامة فوقعت بينه وبينهم عدة معارك حتى دبر حيلة للتخلص منهم أشبه ما تكون بتلك التي دبرها محمد علي للتخلص من المماليك، فقد استدعى رؤساء القبائل سنة 844هـ إلى وليمة كبيرة فلما أخذوا مجالسهم ليأكلوا انهال عليهم جنده بالسيوف فضرب بالسماط من رؤسائهم نحو أربعين شيخا، ثم توفي الأشرف سنة 845هـ فخلفه أخوه المظفر يوسف بن المنصور، وقد استفحل شأن العبيد وأصبحوا يتحكمون في الدولة فولّوا الحكم شخصا يدعى محمد بن إسماعيل بن عثمان من آل رسول وقوي شأنه بهم حتى استدعى الملك المظفر عامله الأمير علي بن طاهر للتخلص من منافسه فاستطاع القبض عليه وأودعه سجن تعز. وما زال العبيد في تمردهم ومالوا إلى نهب أموال زبيد وغلاتها ثم انحدروا إلى حيس وكان فيها أحد أمراء آل رسول مسجونا وهو أحمد بن العباس فأفرجوا عنه وولوه الملك فعاد إلى زبيد وأمر العبيد بنهب المدينة وازداد الهرج والفوضى حتى لقب بعد ذلك بالأمير الجائر، ثم مال عنه الجند إلى شخص آخر من آل رسول هو المسعود الذي ختمت به الدولة الرسولية وولوه الحكم سنة 847هـ والدولة الرسولية تحتضر فلم يمكث في الملك سوى سنوات قليلة حتى قام عمال الدولة الرسولية بنو طاهر بالانتفاضة على سادتهم وتمكنوا من القضاء على الدولة الرسولية سنة 858هـ.
وكما كان انقضاء الدولة الأيوبية على أيدي عمالهم بني رسول كذلك ماتت هذه الدولة على أيدي عمالهم بني طاهر، ومن المصادفات العجيبة أن آخر ملك في الدولة الرسولية يسمى المسعود وكذلك آخر ملك من ملوك الدولة الأيوبية يسمى المسعود أيضا.. فلست أدري إذا كان هذا السعد هو نحس عليهم وسعد لخصومهم أم الأمر بالعكس( ).
* * *
عصر المقري من الناحية العلمية والثقافية:
إن رصد المظاهر العلمية والثقافية في البيئة التي عاش فيها المقري يستدعى البحث في العوامل التي أثرت في الحركة العلمية لهذه الفترة، إذ تعتبر هذه الفترة استمرارا لسابقتها وذيلا لها. ولا شك أن فترة الدولة الرسولية كانت امتدادا للدولة الأيوبية التي بدأت بغرس البذور الأولى للثقافة والمعرفة خلال فترة سيطرتهم على اليمن، فجاء الرسوليون الذين خلفوهم في حكم اليمن ليكملوا المشوار وزادوا عليه؛ حيث أرسوا قواعد بنيان دولتهم على أسس من العلم وأشادوا أركان كيانها على لبنات من الفكر بكل ما لهما من امتداد وتجذر في واقع الحياة.
فكما هو معلوم أن ملوك وأمراء وولاة الدولة الرسولية عملوا على بناء المدارس وانفقوا في سبيلها الأموال الطائلة وكانوا يتسابقون في بناء المدارس والمكتبات وأوقفوا أخصب الأراضي والعقارات لتوفير متطلباتها وما تحتاجه من نفقات وجلبوا مشاهير المعلمين ورفعوا من شأن العلماء والمتعلمين، وشجعوا الطلبة على التحصيل في مختلف العلوم، وكانوا يتنافسون على تشجيع العلماء والشعراء والأدباء النابغين واستمالتهم وبذل العطاء لهم، فانتعشت الحركة العلمية والثقافة.
انتشر العلم في عهد بني رسول وعم أكثر المدن والقرى اليمنية.. وأصبح له مراكز علمية كبيرة يؤمها الطلبة من كل صوب.. وكان لتشجيع ملوك الدولة الرسولية للعلماء أثر في إحياء تلك النهضة الفكرية الكبيرة في اليمن، ولا غرابة في ذلك فكثير من ملوك وأمراء وولاة هذه الدولة كانوا من العلماء والشعراء، ومنهم من تشرب بحب العلم وساهم فيه بالعديد من المصنفات في شتى العلوم والفنون، كالملك المظفر صنف في علم الفلك والطب كتبا كثيرة، منها: (تيسير المطالب في تسيير الكواكب)، وكتاب: (المخترع في فنون الصنع)، وكتاب: (العقد النفيس في مفاكهة الجليس) وغيرها من الكتب.
وصنف ابنه الأشرف الأول كتابا في الاسطرلاب وكتاب: (التبصرة في علم النجوم)، وكتاب: (الجامع في الطب والمعتمد في الأدوية)، وكتاب: (المغني في البيطرة)، وفي علم الزراعة كتاب: (التفاحة في علم الفلاحة)، وفي الأنساب كتاب: (طرفة الأصحاب وتحفة الآداب) وغير ذلك من الكتب. أما أخوه المؤيد فله عدة كتب أكثرها في علم الأدب، وكتاب في (البيزرة). والملك المجاهد اهتم بوجه خاص بطب الحيوان فألف كتاب: (الأقوال الكافية والفصول الشافية) بحث في آخره الوباء العام الذي وقع في اليمن في عصره وأهلك الكثير من خيول الدولة. وألف الملك الأفضل مصنفات في عدة علوم كعلم السياسة صنف فيه كتابه: (نزهة الظرفاء وتحفة الخلفاء)، وهو مبوب على فصول، وفي الزراعة كتاب: (بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين)، ووضع في التاريخ عدة كتب منها، كتاب: (العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية)، وكتاب: (نزهة العيون في طوائف القرون)، وفي الأنساب كتاب: (بغية ذوي الهمم في معرفة أنساب العرب والعجم) وغيره.
وآخر من اشتغل بالتأليف من ملوك الدولة الرسولية هو الملك الأشرف الثاني، وكان من عادته في التأليف أن يشرع في أبواب الكتاب الرئيسية ثم يأمر من يتمها بعد ذلك، وقد وضع المؤرخ الخزرجي عدة كتب على لسانه، ككتاب: (العسجد المسبوك والجوهر المحبوك في أخبار الخلفاء والملوك)، وكتاب: (فاكهة الزمن في أخبار من ملك اليمن).
وعلى العموم فإن اشتغال ملوك الدولة الرسولية بالتأليف يدل على إقبالهم على العلم وحرصهم على الانتساب إليه. وقد تميزت مصنفاتهم بظاهرة فريدة قد لا تتكرر في تاريخ الفكر اليمني قاطبة وهي الاهتمام بالجانب العلمي من البحث، فكتبوا في علم الفلك والطب والزراعة والبيطرة وغيرها من المواضيع العلمية التطبيقية في حين كان معاصروهم من ملوك الدول الإسلامية منشغلين بقضاياهم الخاصة والعامة ولم يعيروا الجانب العلمي أدنى اهتمام.
وبلغ من حرص ملوك الدولة الرسولية على العلم أن يتفرغوا للدراسة على فقهاء اليمن. فالملك المظفر يقرأ على الفقيه محمد بن إسماعيل الحضرمي في الفقه وعلى محمد بن إبراهيم الفشلي والفقيه محب الدين الطبري في الحديث والفقيه ابن العمك في النحو، بل بلغ الأمر بالملك المظفر أن يبعث برسالة إلى خراسان للبحث عن النسخة الأم من تفسير القرآن للإمام الرازي لوجود نقص في نسخته فيظفر بها بعد جهد ويجد النقص كما هو عنده في نسخه، وهذا كمثال على ملوك الدولة الرسولية.
وكانوا يحرصون على مجالس العلم والمشاركة فيها، وقد جعلوا شهر رمضان خاصا بمقابلات العلماء والاجتماع بهم، ويصف ابن المقري مجالسهم في شعره فيقول مخاطبا الملك الأشرف:
وحلقة علم يسقط الطير فوقها *** منزهة الأرجا عن اللغو والهجر
بها ظل أهل العلم حولك عكَّفا *** كما عكفت زهر النجوم على البدر
وكانوا يكرمون العلماء ويشجعون على البحث العلمي، ويمنحونهم الجوائز السنية ويتقربون إليهم، وقد علت الهمة ببعضهم إلى أن يراسل مشاهير العلماء خارج اليمن ويستكتبهم في القدوم إلى البلاد.. فقد ذكر الخزرجي أن الملك المؤيد استقدم إلى اليمن سنة 720هـ عالم الهيئة والهندسة والمنطق الأمير بدر الدين المختار، وبين يدي المظفر وضع العلامة محمد بن أبي بكر الفارسي كتبه في علم الموسيقى، ككتاب: (دارة الطرب) وكتاب: (الألحان) وغيرهما. وكذلك وضع هذا العالم كتابه: (الزيج) في علم الفلك وسماه باسم الملك المظفر.. وكان لهم رغبة في نشر العلوم على مختلف أنواعها.
ولم يقف اهتمام الرسوليين بقضايا العلم عند علوم الشريعة والعربية التي كانت سائدة في تلك الفترة، بل امتد إلى مجالات أخرى في العلوم التطبيقية، فقد شهدت الحياة العلمية والثقافية تراء وغنى على جميع المستويات الفكرية والعلمية والفنية والأدبية، فشهد هذا العصر أعلاما في كل علم وفن، وبحق حازت هذه الدولة الريادة العلمية، وغدا عصرها من أخصب وأغنى عصور التاريخ اليمني المزدهر بالعلم والمعرفة، المتألق بالفكر والثقافة، إذ برز فيه طائفة من حذاق العلم وجهابذة الفكر، فنضجت ثمار العلوم في أنواعها المختلفة، وكثر حملة الفكر والثقافة، واشتهروا بعلومهم، فكان المقري نتاج هذا العصر الزاهر وثمرة من ثماره.
* * *
من هو المقري:
هو إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المقري، الحسيني بلداً الشاوري نسباً الشافعي مذهباً. كنيته (أبو محمد). ولقب المقري إما جاء نسبة إلى القراءة الجيدة لكتاب الله أو جاء من صفة المقري وهو كرم الأضياف، وقد يكون لكليهما، وما يدل على ذلك ما كانت عليه أسرته من فهم لكتاب الله وعلم به، وما كانت تتمتع به من وجاهة علمية وقبلية وسياسية.
* * *
مولده ونشأته:
هناك اختلاف في تاريخ ولادته على الرغم من شهرته، والسبب في هذا راجع إلى عادة اليمنيين قديما وحديثا في عدم الاكتراث بتسجيل تاريخ الولادة( ). فمن قائل إن ولادته كانت عام 754هـ، ومنهم من ذكر أنها عام 755هـ، أما الباحث طه أبو زيد فيؤكد أن ولادته كانت عام 756هـ معتمدا في ذلك ما جاء عن الشاعر في تحديد سنين عمره وهو في قرية بيت الفقيه هاربا من الملك الناصر الذي أمر بهدم بيته غضبا عليه بسبب وشاية أعدائه من المتصوفة أتباع ابن عربي، وكان ذلك عام 826هـ، حيث يقول في بعض قصائده الموجهة إلى الناصر يشعره فيها أن منافسه الإمام الزيدي علي بن صلاح (تولى الإمامة سنة 793هـ) في صنعاء دعاه للانضمام إليه فلم يجبه وفاء بحق الناصر عليه:
وأردت أن تدري وأمري في يدي *** أن الوفاء على النوى لي شيمة
إلى أن يقول ذاكراً دعوة الإمام له:
قالوا هلم، فقلت غير مجاملٍ *** غيري ازهدته لمن دعاه الخفة
ما كنت والسبعون قد حنكنني *** ممن لديه كل بيضا شحمة
والذي يهمنا هو البيت الأخير الذي سجل فيه الشاعر سنوات عمره سبعين سنة في السنة التي قضاها في المنفى، وهي سنة 826هـ.
وقال القاضي الأكوع في (هجر العلم ومعاقله): إن مولده كان في منتصف جمادى الأولى سنة 754 هـ، كما هو مكتوب بخطه. وذكر هذا التاريخ السخاوي في ترجمته في الضوء اللامع، وقيل سنة 755هـ كما في تحفة الزمن للأهدل، وفي إنباء الغمر لابن حجر سنة 765هـ( )، وعليه اعتمد السيوطي في ( بغية الوعاة). وكانت ولادته بقرية أبيات حسين، وأبيات حسين من أهم معاقل العلم في بلاد تهامة، تقع في وادي سردود، محافظة الحديدة الآن، شهرت بأنها مركز الفقهاء والعلماء في اليمن، وقد وصفها يحيى بن الحسين بن قاسم في (إنباء الزمن) بأنها: كانت من أعجب مدن تهامة وأحسنها. هي الآن منطقة خربة لا يسكن فيها أحد.
* * *
حياته العلمية والعملية:
تحدثنا فيما سبق عن النهضة الثقافية العلمية والأدبية التي عاشتها اليمن إبان الحكم الرسولي وما وصلت إليه من تقدم في أزهى عصورها،؛ إذ كانت تربة خصبة نمت فيها كثير من العلوم والمعارف أينعت ثمارا طيبة زكت في مختلف العلوم والفنون آتت أكلها كل حين على كل المستويات فسايرت العصر وسارت في ركب الحضارة مضيفة كثيرا من المعارف الإنسانية، آخذة موقعها الصحيح في مسار التقدم الحضاري بمستوى لم تعهده اليمن من قبل، ومرد ذلك ما لاقته من رعاية وعناية واهتمام من ملوك وأمراء الدولة الرسولية، وكان من نتاج تلك الفترة ظهور كثير من العلماء الأعلام والأدباء الأفهام ومنهم أديبنا العلامة إسماعيل المقري شاعر الفقهاء وفقيه الشعراء كأحد ثمار ذلك العصر.
عاش المقري في فترة ازدهار الثقافة العربية في عصر يعد من أخصب العصور الفكرية في التاريخ اليمني، علماً وثقافة، وفي مسقط رأسه نشأ وتأدب، وأخذ عن علمائها شيئا من العلوم الشرعية والأدب، وفيها بدأ ينظم الشعر، ثم ارتحل إلى زبيد للتوسع في العلوم والاستزادة من المعارف، وظل ينهل من معينها لمدة اثنتي عشرة سنة (782- 794هـ)، تتلمذ على عدد من العلماء، أبرزهم: جمال الدين الريمي تلمذ عليه بالفقه، وعبد اللطيف الشرجي ومحمد زكريا في العربية، ونال حظا من العلوم الإنسانية الأخرى فبلغ شأوا من العلم والثقافة فاق بها أقرانه ونافس معاصريه، فكان خلاصة ذلك العصر وعصارة علومه وآدابه، فلما نضج فكره وشاع في الناس ذكره تقدم أبناء جنسه فاعتُرِف بفضله، وكانت له قريحة مطاوعة وبديهة عجيبة، شد رحاله ميمما الأبواب السلطانية متزودا بما حواه من علوم وآداب تحدوه الآمال ويحثه الطموح، فأناخ ركابه في رحاب الملك الأشرف، وهناك وجد ضالته بعد أن أحبطت آماله ولم يسعفه حظه في التجارة التي حاول ممارستها من خلال إقامته في زبيد، فاتصل بالملك الرسولي الأشرف إسماعيل بن العباس ومدحه فكسب منه المال الوفير، وفي ذلك يقول شارحا خيبة مساعيه في التجارة:
كنت بالربح والتجارة مغرى *** ترتمي بي إلى بعيد المرامي
فغشيت البلاد برا وبحرا *** أطلب الرزق قد شددت حزامي
ثم لما جمعت ما يسر الله *** من المال بعد طول هيامي
ساقني الله نحو أرض زبيد *** ودعتني كواذب الأوهام
فأقامت تجارتي في كساد *** واستمرت غرامتي في الغرام
ما انقضى لي هناك حولين إلا *** وقد احترت في ارتياد الطعام
وقد أدَّنت فوق ألفين نقدا *** وإذا بالخصوم تبغي خصامي
جئتكم هاربا ففرجتم الـ *** ـكرب وذدتم حوادث الأيام
واستقامت حالي وزدت نموا *** فلك الشكر يا شريف المقام
فاكتفى بعد فشله في التجارة بالاتصال بالملوك ونشر العلم والتدريس فكان ذلك نعم التجارة التي عادت عليه بالربح الوفير، وصار له حظ عظيم عند الخاص والعام، وكان أول عمل تولاه سنة 794هـ هو التدريس في المدرسة النظامية بزبيد، ثم في المدرسة المجاهدية في تعز ونظرها وعدد من المدارس. ثم أضيف إليه نظر أعمال وادي مور، هذا أثناء حكم الأشرف إسماعيل (ت 803هـ). أما أعماله أيام الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل فقد كانت أكبر درجة؛ حيث ولي أمر المحالب، وعين للسفارة إلى الديار المصرية، لما كان له من علاقة وطيدة بقاضي قضاتها – آنذاك – العلامة ابن حجر العسقلاني، وتأخر عن السفر إلى مصر؛ لأن مركز قاضي القضاة كان شاغراً، وكان يطمع في أن يتولى قضاء الأقضية بعد وفاة القاضي مجد الدين الشيرازي المشهور بالفيروزأبادي الذي كان يشغل هذا المنصب فلم يتحقق له ذلك، وكان الصراع – حينها – على أشده بين المتصوفة والفقهاء الذين كان على رأسهم خشية أن يؤول هذا المنصب إلى أحد المتصوفة فيكون لهم الغلبة على الفقهاء، واستمر على ملازمة العلم والتصنيف والإقراء.
وكان ذا كلمة نافذة مسموعة ورأي صائب( )، بدأ نجمه يتألق علميا وأدبيا واقتصاديا من عام 794هـ، وهذا العام يعد أهم منعطف تاريخي في حياة المقري وفيه كان اتصاله بالملك الرسولي الأشرف إسماعيل بن العباس من بداية عهده إلى أول عهد ولده الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل، وباتصاله بالملوك حسن حاله وتبدى إقباله بعد أن كان فقيرا يخدم نفسه صار له راتبا شهريا وانهالت عليه الجوائز السنية وأصبح له خدما وحشما؛ وذلك لما كان يتمتع به من جاه وقوة ونفوذ، وأهدي له دارا، فكان في أخصب عيش وأرغده وأوفر رزق وأغزره، ونال أموالا طائلة من ملوك الدولة الرسولية، حتى صار يرد بعض عطاياهم لعدم حاجته إليها، ونستمع إليه بهذا التقرير الخبري عن جائزة حصل عليها من الملك الظاهر، وكانت ثلاثين ألف دينار مقابل قصيدة واحدة من ثلاثين بيتا، عن كل بيت ألف دينار، حيث يقول:
لقد جاد لي بالمال حتى حسبتني *** ألف من البطحاء الألوف وأكسح
ثلاثين ألفا في قصيد إجازة *** على كل بيت ألف دينار تسفح
ولسعة ما في يده صار يرد بعض عطايا الملوك فيغضبون عليه، فيخاطبهم معتذرا، فمن ذلك يقول مخاطبا الملك الأشرف إسماعيل بن العباس:
ما كنت يا بحر المكارم أحسب *** أن الكريم من القناعة يغضب
إلى أن يقول:
وتركت حظي من نوالك عامدا *** فزجرتني فعلمت أني مذنب
وفي قصيدة أخرى يخاطب الملك الظاهر معتذرا عن الجائزة السابقة مستكثرا لها:
يا من يثير بأريحية جوده *** سحبا تعاودني حياها المغدق
ارفق بعبدك واسقه متمهلا *** إن قام يستسقيك ما لا يغرق
في نصف نصف النصف مما جدت لي *** أضعاف ما أرجو وما أنا أنفق
واتصال المقري بالملوك وتوليه المسئوليات الهامة لم ينسه واجبه العلمي والديني والأدبي والاجتماعي، فهو آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر غيورا على حرم الإسلام وعقيدته السمحة كلما وجد منكرا لا يحابي في ذلك أحدا ولو كان الملك، فهو يقول:
فلا والله لا أدع انتصارا *** لديني أو يرى يومي حِمامه
وإن أك مفردا بين الأعادي *** فقد تحمى البنانة بالقُلامة
ويقول:
فوالله ما حابيت في ديني امرا *** ولا صانعت نفسي بخالقها خلا
وكان داعيا للإصلاح، فهو في مديحه للملوك يدعوهم إلى العدل والرحمة بالرعايا ويزري بالظلم والظالمين، فمن ذلك قوله:
تألق نور العدل وانطفأ الظلم *** وقامت على ساق غصون الهدى تنمو
وقوله:
وللعدل وجه يعجب الناس حسنه *** ويشتاقه الأقصى ويدني المبعدا
وقوله:
وقد وعَدوا بالعدل لكن بوعدهم *** أرادوا ازدياد المال من غير مهلة
ولم يقتصر إصلاحه على ما ذكر، بل كان يدعو إلى إصلاح النفوس، ودليل ذلك لاميته (في الملحق).
* * *
وفاته:
وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل أخذا وعطاء، زاخرة بالشعر والأدب إبداعا واختراعا، عامرة بالتأليف والتصنيف مضى من غضارة الأولى إلى قرارة الدار الأخرى، فقضى نحبه ولقي ربه سنة 837هـ وكانت وفاته بزبيد.
* * *
مؤلفاته:
لم يكن المقري شاعرا فحسب، بل كان عالما امتلك زمام فنون عدة، فهو يقول:
وما الشعر مقصور عليه فضيلتي *** في كل جو لي عُقاب طائر
لقد خاض في عدة مجالات، وأبدع في كل ما تعرض له بالبحث والتأليف فترك ثروة علمية وأدبية زاخرة جعلته يعيش بيننا اليوم بآثاره من المؤلفات النافعة، ففي المجال الأدبي اقتصر على الشعر فقط، إذ لم نجد له مؤلفا خاصا بالنثر الفني، إنما جاء نثره الفني ضمن مؤلفاته في مجالات مختلفة، والكتب التي ألفها هي نسيج وحدها على طريقة غريبة في التأليف، وأهم مؤلفاته:
• ديوان شعر، جمعه أحمد بن أحمد الشرجي.
• الجمانات البديعية في مدح خير البرية وشرحها، وتسمى الفريدة الجامعة للمعاني الرائعة، وهي قصيدة شعرية مدح بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ضمنها جميع أنواع البديع.
• الذريعة إلى نصر الشريعة، وهي قصيدة شعرية هاجم فيها المتصوفة أتباع ابن عربي.
• لا ميته المشهورة وهي قصيدة شعرية في الحكم والنصح.
• جواب على قصيدة في مسائل فقهية بطريق الألغاز.
• الإلهام لما في الروض من الأوهام.
• إخلاص الناوي في إرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي لعبد الغفار القزويني في الفروع في مجلد كبير.
• إرشاد الغاوي في مسالك الحاوي في الفروع، وهو غريب في فن التأليف، فلم يأتي فيه باسم معرف بأل التعريف، وقد شرحه وسماه: (التمشية) في مجلدين. كما شرحه ابن حجر الهيثمي وسماه: (فتح الجواد على شرح الإرشاد) في ثمانية أجزاء، وشرحه موسى بن أحمد بن موسى ابن أبي بكر الرداد وسماه: (الكوكب الوقاد شرح الإرشاد) في أربعة وعشرين جزءاً.
• روض الطالب ونهاية مطلب الراغب، اختصر فيه الروضة للنووي.
• فتاوى ابن الذبيح إسماعيل المقري.
• الرد على الطائفة الصوفية الغوية.
• مرتبة الوجود، ومنزلة الشهود.
• رسالتان في الرد على المتصوفة أتباع ابن عربي.
• مسألة فيما يتفرع من الماء المشمس.
• عنوان الشرف الوافي في الفقه والتاريخ والنحو والعروض والقوافي.
* * *
المقري في نظر معاصريه ومن تلاهم:
1. أبو الحسن الخزرجي (ت 812هـ)، يقول عنه: كان صاحب فقه وتحقيق وبحث وتدقيق ومشاركة في كثير من العلوم واشتغال بالنثر والمنظوم، فإن نظم أعجب وأعجز، وإن نثر أجاد وأوجز، والمبرز على أترابه، والمقدم على أقرانه وأصحابه، وكان يقول شعرا حسنا، ويكره أن ينسب إليه الشعر، وكان مولعا في غالب شعره بالتجنيس واستنباط المعاني الغريبة. ويستمر الخزرجي في نعت شعر المقري فيقول: وله في هذا المعنى شيء كثير وكل معنى يعجز عنه غيره من الشعراء يأتي به في أحسن وضع وأسهل تركيب، وكان غاية في الذكاء والفهم، قرأ عليّ ديوان المتنبي فاستفدت بفهمه وذكائه أكثر مما استفاد مني، وعلى الجملة فلا يوجد له نظير في فهمه وذكائه.
2. محمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ)، قال: قرأ في عدة فنون وبرز في جميعها وفاق أهل عصره، وطال صيته واشتهر ذكره في صناعة النظم والنثر وجاء بما لا يقدر عليه غيره. إلى أن يقول: إن اليمن لم تنجب مثله.
3. ابن قاضي شهبة في طبقاته: قال لي بعض المتأخرين: شامخ العرنين في الحسب ومنقطع القرين في علوم الأدب. إلى أن يقول: وناظر أتباع ابن عربي فعميت عليهم الأبصار ودمغهم بأبلغ حجة في الأفكار، وله فيهم غرر القصائد تشير إلى تنزيه الصمد الواحد، وله المدح الرائق والأدب الفائق.
4. ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) وهو الذي اجتمع به مرتين في سنة 800هـ وسنة 806هـ، يقول عنه: عالم البلاد اليمنية، ويستمر في ترجمته إلى أن يقول: ومهر في الفقه والعربية والأدب. والمقري سمع من ابن حجر كتابه (ضوء الشهاب) المنتخب من نظمه. وطارحه بأبيات رائعة. وأجاز لأولاد ابن حجر في سنة 821هـ، يقول السخاوي عن ترجمة ابن حجر للمقري: ترجمه في استدعاء بأنه إمام فاضل ورئيس كامل، إلى أن يقول وله تصانيف وحذق تام. ونظم مليح إلى الغاية ما رأيت في اليمن أذكى منه.
5. السخاوي (ت 902هـ)، يقول عن شعر المقري: ونظمه كثير التجنيس والبديع حسن الترتيب والترصيع.
6. ابن العماد الحنبلي (1089هـ)، يقول عنه: برع في العربية والفقه وبرز في المنظوم والمنثور، واستمر على ملازمة العلم والتصنيف والأقراء. إلى أن يقول: وله مع ذلك النظم الرائق والنثر الفائق.
7. القاضي إسماعيل الأكوع قال: وله شعر رائقٌ ومنه القصيدة المُخلًّعة التي تقرأ على وجوه كثيرة. فقد ذكر الخزرجي في ترجمة المقري المذكور في (طراز أعلام اليمن) أنها تقرأ على ألوف الألوف من الوجوه.