لا شك أن الصومال يمر اليوم بمرحلة مفصلية في حياته السياسية، ويحتاج إلى عقلاء أكثر مما يحتاج إلى سياسيين طامعين للسلطة، ولا يعنى هذا أن الطموح السياسي خطأ، ولكن الطامع في السلطة قد لا ينظر إلى ما دون الكرسي لذلك يفقد توازنه العقلي في بعض الأحيان، وهذا ما نشاهده اليوم من كلا الفريقين!
معالجة الاحتقان
يبدو لي أن معالجة الاحتقان الفعلي تقع على عاتق الحكومة، لذلك ينبغي عليها النزول إلى الحقيقة الواقعية التي تؤكد وجود مشكلة سياسية تحتاج إلى معالجة، وكلما تأخرت في بدء هذه الخطوة تصبح كمن يلقي مزيدا من الحطب على النار المشتعلة؛ لأننا ندرك هشاشة الوضع الأمني، والسياسي الذي ما زال يعتمد على القبيلة أكثر من المؤسسات.
ومن المؤكد أن الحكومة هي مسؤولة عن أمن البلد واستقراره، ولن ينفعها في مثل هذا المرحلة المعقدة أن تحاول تحويل المشكلات الداخلية إلى الصراعات خارجية لصناعة بطولات وهمية قد تلامس حماس بعض القوى المؤيدة، بينما السلم الأهلي يتعرض لهزات قد يصعب غدا معالجة ارتداداتها.
ما يحدث اليوم يشبه مسرحية هزلية يمثلها بعض الهواة الذين يحسنون تمثيل الأدوار التراجيدية أكثر من الأدوار الفكاهية؛ لذلك تحد تقاطيع الوجوه العابسة أكثر مما تجد الابتسامات، وهذا هو نوع من سياسة الهروب إلى الهاوية حتى السقوط في الوحل، ونرجو من الحكومة الرشيدة استعادة توازنها ووضع العربة خلف الحصان، وفتح حوارات جادة مع القوى الوطنية لنزع فتيل الأزمة؛ لأن زمام المبادرة في يدها، وبإمكانها إسكات الجميع، وإعادة البهجة في الوجوه، بمبادرة واحدة، وعلى الرئيس أن يعيد البلاد كما كانت يوم استلامه السلطة، وهذا ليس بمعجزة وإنما يحتاج إلى حنكة سياسية البعد عن المتملقين وأمراء الحرب.
المظاهرات المسلحة
لا أشك أن لا أحد يرفض في حق التظاهر ودستوريته، ولكننا ندرك أن التظاهر في حالات السلم يختلف عن التظاهر في حالات الاحتقان، وأن هناك إجراءات ولوائح تنظم حق التظاهر، ومن المعيب أن تؤيد مجموعة سياسية راشدة تعرف حساسية المرحلة التي يمر بها البلد بمظاهرات شبه مسلحة، ويستخدم خطبائها لغة قبلية ممجوجة!
وعليه فإن بيان تحالف المرشحين لم يكن سياسيا ولا حكيما كونه تماهى مع هذا نوع من المظاهرات المشحونة التي استخدم فيها حمل السلاح والخطب الحماسية التي تُشتم منها رائحة الحروب القبلية.
فماذا يعني بالله عليكم أن يمثل بعض خطباء المظاهرة الرئيس محمد عبدالله فرماجو بالرئيس الأسبق محمد سياد بري! إلا أنهم ينتمون إلى عشيرة واحدة!!، ثم يأتي بيان المرشحين ليشيد هذا النوع من الفوضى المنظمة ويختتم: “استمروا في مظاهراتكم وستنضم إليكم”!، هذه فضيحة سياسية تسجل على تحالف المرشحين، الذين مازالو يقدمون رغباتهم السياسية على السلم الأهلي، كلنا ندرك أن رئيس لم يأت على دبابة بل وصل الحكم عبر الصندوق الزجاجي، ومازال يستخدم بعض أدواته الدستورية، ومن الطفولة السياسية الخلط بين أوراق الضغط السياسي وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر.
ومن هذا المنطلق لن أستبعد أن يكون بعض المرشحين يعتقدون أن الورقة القبلية وإيصال الأمر إلى حافة الحرب هي الحل المناسب للتخلص من تعنت الحكومة، وهؤلاء معروفون وتصريحاتهم السابقة تؤكد ذلك، ولكنني أتسأل هل أصبح تحالف المرشحين مخطوفا من قبل أصحاب شعارات “علي وعلى أعداء”، أين صوت الحمائم والمنادين بعدم العودة إلى مربع الخراب والتوحش؟!
وينبغي علينا جميعا أن ندرك أن المجتمع الدولي ودول الجوار وحتى الدول العربية المنشغلة في الفوز على الكعكة القادمة لن يتدخلوا بيننا حتى نصل إلى مرحلة اراقة الدماء، ولا يخدعنكم كلامهم المعسول؛ فهؤلاء ليس من أهدافهم إنهاء الصراعات ولكنهم يعتاشون من الصراعات وتزداد ميزانياتهم على ذلك، ويبقى الخاسر الشعب المسكين المغلوب على أمره! فهل من متعظ؟
فأعتبروا يا أولي الألباب.
Post Views: 12