من المألوف أن يرى المراقب تناقضا مصالحيًا بين العشائر تجسده أطروحات أعيانها السياسيين، والتقليديين. ولكن الغريب أن ينجلي تناقض بعض دعاة الوطنيّة أكثر من غيرهم، دون أن ينتبهوا لها.
فمن تلك التناقضات، مثلًا: أن يقولوا لك: نحن وطنيون نحافظ على الوحدة ونتمسك بها، ونبذل من أجلها الغالي والنفيس. فتقول لهم: هذا جيد؛ إذن دعونا نكمل الدستور، ونسدّ ثغراته، ونتمم نواقصه، ونحتكم إليه، ونبني الولايات، ونفصل بين ما يخصّ بالولايات وما تنفرد به الحكومة الفيدرالية من سلطات.
يقولون لك: أصلا لا نريد النظام الفيدرالي، وهو رأس المشكلة، ونسعى للتخلص منه تدريجيا، بدءًا بتحجيم سلطات الولايات، وانتهاء من تفريغ مضمونه، ثم إلغائه كلّيًا.
تقول لهم: لكن بعض الولايات الواعية التي تعرف حقوقها وواجباتها، وتمثل شعبها، – ولو نسبيا- وتأخذ قراراتها بناء على مصلحة من تمثلها، لا تقبل ذلك.
فيقولون لك: نشتت وحدتهم، ونشكل لوبيات داخلية تضعف سلطات ولاياتهم، وندعم مؤيدينا فيهم بالمال والسلاح لإسقاطهم، وإجبار الولايات المارقة على الانصياع لسلطة العاصمة.
تقول لهم: هذا لا يفتت الولايات فقط، بل يمزق الوحدة، ويمنح أرض الصومال مبررا منطقيا لاتخاذ قرار طلاقها البائن، لان ما تفعلونه دليل كاف على رغبتكم في الاستبداد وعطشكم للغصب والجور.
يقولون لك: لا لا، الصومال لا ينفعهم إلا القهر والتخويف، وهو مفتاح الحكم والطريق الأوحد لتعميم السلطة المركزيّة على جميع الولايات.
تقول لهم: إذن تريدون أن تحلوا كل المشاكل بالقوة.
يقولون لك نعم: تقول لهم: من انتم؟ يقولون لك: نحن الوطنيون الذين يرفعون شعار الوحدة، ويتمسكون بالعلم الأزرق دون سواه.
تقول لهم: لكن كثيرا من يخالفونكم في الرأي، وينادون بعكس ما ذهبتم إليه، يحملون علم الأزرق مثلكم، ويرفعون شعار الوحدة أحيانًا.
يقولون لك: هؤلاء انفصاليون، أو أصحاب الأغراض الدنيئة، يبطنون عكس ما يظهرون لا تصدق كلامهم.
….منطق عجيب متناقض لا يعي عواقب ما يفعل ويقول…. ولا يدرك أن هذه التصرفات تفرّق المجتمع ولا توحده، وتضعف تماسكه ولا تقويه.