يعتبر الرئيس السابق للصومال حسن شيخ محمود من أبرز مرشحي الرئاسة الصومالية، ولكونه أول رئيس غير انتقالي لجمهورية الصومال الفيدرالية يعتبر أحد أبرز مؤسسي الدولة الصومالية بعد انهيار الحكومة المركزية قبل ثلاثين عاما، ويتمتع بخبرة طويلة في حل النزاعات ومعرفة كاملة للنسيج الاجتماعي والقطاع التعليمي، كما يتمتع بكاريزما خطابية مقنعة، وهو من أبرز معارضي الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، ويرأس حزب السلام والتنمية.
وقد أجرى المرشح حسن شيخ محمود حوارا مطولا مع قناة “غوب جوغ” الصومالية تناول فيها العديد من القضايا من أهمها الانتخابات الحالية، ومسيرة بناء الدولة الصومالية، والخلل الذي أصابها في الفترة القليلة الماضية، وكان الحوار الذي سيتم ترجمته من اللغة الصومالية إلى اللغة العربية على جزئين على النحو التالي:
أولا: سيادة الرئيس نشكرك على إعطائك لنا فرصة للقاء بك مجددا وترحيبك بنا. في سبتمبر 2016 انتهت الفترة الدستورية لرئاستك للصومال، وتمددتم فترة إضافية لمدة خمسة أشهر، ماذا كانت خطة عملك في الانتخابات؟، وماذا كنت مختلفا عن الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو الذي مدد أيضا فترة قريبة من هذه الفترة؟.
– بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أشكرك وأشكر قناة “غوب جوغ” على تنظيم هذا الحوار. هذا السؤال ذو شقَّين، والجدير بالشق الآخر أن يُسأل الرئيس المنتهية فترته فرماجو، ولكن أحبُّ أن أنوّه أن قضية الانتخابات كانت قضية تشغل بالي منذ أن استلمتُ المكتب وتولّيت منصب رئيس الجمهورية في سبتمبر 2012، وكنت مدركا أن أربع سنوات هي مدة قصيرة نظرا لضخامة العمل، خاصة في جلب الاستقرار للسياسة الصومالية المضطربة، ولأن بناء الدولة لن تأتي إلا من خلال الاستقرار السياسي وكانت ذات أولية كبيرة.
وبعد مضيّ عام على تولّي المنصب في سبتمبر 2013م قمنا بتنظيم مؤتمر كبير حول الإصلاح السياسي، شارك فيه المغتربون وجميع أعيان ونخب شرائح المجتمع الصومالي، ومن خلال هذا المؤتمر صدرت رؤية 2016، ومنذ ذلك اليوم وحتى اليوم الثامن من فبراير 2017م كان العمل من أجل تنظيم الانتخابات مستمرا، ويمر بمراحل مختلفة، جنبا إلى جنب مع استمرار الأعمال العادية الأخرى من تأسيس الولايات الفيدرالية، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتحرير المناطق الصومالية من حركة الشباب، وبناء مؤسسات الدولة، ولكنني كنت مدركا أن الأولوية كانت في تنظيم انتخابات، لأن عدم تحرير كل شبر من البلاد من حركة الشباب يمكن من خلاله استمرار الدولة، وأيضا ترميم المقرات الحكومية كان مهما، فقد توليتُ منصب الرئاسة ومعظم مؤسسات الدولة تعمل مجتمعة في أماكن محددة، وقمنا بترميم مقرات الوزارات الحيوية المختلفة مثل وزارات المالية والتربية والتعليم والصحة وغيرها، وأيضا يمكن بقاء الدولة بدون ترميمات، ولكن بدون الانتخابات لن تبقى الدولة الصومالية، وستختفي ثقة المجتمع الصومالي والدولي بالدولة الصومالية الهشة.
وبالفعل لم ننجح في إكمال هذه المسيرة في سبتمبر 2016، ولكن أسسنا معظم هياكلها وكانت المفاوضات مستمرة، ولكي لا نخلق مزيدا من زعزة الاستقرار فقد أصدرتُ مرسوما رئاسيا حول عدم تغيير المناصب إقالة أو تعيينا أو عقد اتفاقيات وصفقات حتى انتهاء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، وذلك كي لا نعكر على عمل الحكومة المقبلة، ومنذ الخامس من سبتمبر قمتُ بتوجيه الحكومة في تنظيم الانتخابات، وكما تعلم أن فترة ولايتي الدستورية انتهت في سبتمبر، وبدأت الانتخابات في الخامس عشر من أكتوبر 2016، أي بعد خمس وثلاثين يوما.
لكن مشكلة اليوم تكمن في أن الزمن الإضافي الذي ذكرتَه وقع، ولم تنظَّم انتخابات بعد، إضافة إلى الأزمة السياسية في البلاد، واستمرار عمل المؤسسات الدولة المنتهية صلاحيتها من تعيينات وإقالات، وعقد اتفاقات وصفقات، وتعيين لجان دستورية، مما سيصبح عقبة أمام أداء الحكومة المقبلة، وهذا مما كنا حذرين فيه.
هناك من ينتقد أداءك في المنصب، لكونك أوَّل رئيس غير انتقالي للصومال بعد عشرين عاما من الفوضى، وبعد انتهاء فترتك الرئاسة أضفت خمسة أشهر، وقام خليفتك أيضا بنفس الأسلوب مبررا أن سلفه فعل ذلك، هل تتحمل مسؤولية عدم الاستقرار السياسي لكونك أول من سنّ التمديد؟.
– لا أتحمل المسؤولية، لماذا، لأنني سلكتُ في تلك المدة الإضافية طريقا مرسوما منذ 2013م، الذي كان صعبا حيث نشق طريقا انتخابيا لم يشق منذ 1969م، وبالفعل لم نتمكن من تنظيم انتخابات عامة ومباشرة، لأننا كنا ندرك صعوبتها منذ البداية، واخترعنا طريقة جديدة في الانتخابات متوافق عليها بين المجتمع الصومالي، وتركنا طريقة وخارطة مرسومة لإيصال البلاد إلى الانتخابات العامة المباشرة في 2021م، واتفق القادة في تجاوز مرحلة الانتخابات غير المباشرة، وأعتقد أن الرئيس الذي خلفني لو عمل منذ البداية في تطبيق إجراء انتخابات مباشرة لتمكن من ذلك. الأمر الثاني تم الاتفاق في 17 سبتمبر 2020م على الانتخابات غير المباشرة، وهي الطريقة التي ابتكرناها، فكان الأحسن أخْذُها بحذافيرها لأنها طريقة متكاملة، ولكن تم إضافة مركز اقتراع في كل ولاية وزيادة عدد مندوبي العشائر إلى الضعف، وهذا قد يسبب صعوبة مالية وأمنية ونزاع اجتماعي.
ولكن ألا يمكن أن نقول إنك ترفض إضافة نظام يختلف عن نظام الأول؟.
– أنا أريد أن تكون الإضافة فيها مصلحة للدولة وللاستقرار، وألَّا تسبب نزاعات أو مزيد من الفساد ، فهناك مناطق فيها مقاعد ولكن قبائلها لا يقطنون فيها، بل يسافرون عبر الطائرات، ويقيمون في فنادق أثناء الانتخابات، وليس عند الدولة ميزانية لذلك.
الرئيس المنتهية فترته يرى أن خططه في الانتخابات تم إفشالها من قبل بعض رؤساء الولايات والمعارضة، برأيك هل هناك فرق بين منتدى التشاور الوطني الذي أسستموه أثناء الانتخابات السابقة وبين المنتدى اليوم؟.
– الشيء المختلف هو السلوك السياسي فقط، وما سواه لم يتغير شيء، فرؤساء الولايات ما زالوا موجودين، ورئاسة الجمهورية والحكومة ما زالت موجودة، كنتُ أعطي الأولوية الأولى لإنجاح الانتخابات، ولست مهتما بالأنفة والترفُّع في الجلوس مع الشركاء، ولم أكن أقول: لا يستطيع أحد أن يجلس إلى جانبي، فأصحاب القلوب المريضة لا يستطيعون الإصلاح السياسي، لأنك إذا رفضت شخصا يتقلّد منصبا مَّا؛ فهو سيرفضك طبيعيا، ومع الأسف فرئيسنا فرماجو رفض الشركاء السياسيين المختلفين معه، وانشغل بتفكيك النظام الفيدرالي في أوَّل الأمر بدل أن ينشغل بالانتخابات، وعندما عجز عن فعل شيء، أصبح مجبورا على قبول الانتخابات غير المباشرة، وبالتالي أعتقد أن منتدى التشاور الوطني كان فيه مصلحة، واليوم تم إعادتها أيضا، والفارق هو غياب حسن النية والثقة.
بعد انتهاء فترتك الدستورية بخمس وثلاثين يوما تم انتخاب أول نائب في مجلس الشيوخ، وهذا يعتبر إنجازا بحدّ ذاته، كيف تمكنتم من تسريع النظام الانتخابي؟!.
– هذا يشكر للحكومة المركزية ولرؤساء الولايات آنذاك، لأنه كان هناك انسجام كبير من جميع الأطراف المسؤولين، والعامل الأهم في إنجاح ذلك هو وجود الثقة والجدّيّة، وهي ما نفتقدها الآن مع الأسف سواء على المستوى الفيدرالي أو الولائي.
قضية محافظة غدو ونوَّاب أرض الصومال واللجنة الانتخابية كانت هاجسا كبيرا في مسيرة الانتخابات الحالية منذ ثمانية أشهر، هل كان في فترتك مثل هذه القضايا الحساسة؟!.
– اختلاف وجهات النظر بحدّ ذاتها ليست مشكلة في السلوك الإنساني، بل تكمن المشكلة في كيفية حلها. نعم كانت هناك خلافات مماثلة عندنا، مثلا كنتُ أنا ورئيس وزرائي شرمأركي كلانا مرشحين للرئاسة، وقيل لنا بأنكما مرشحان ولا يمكن أن تديرا قضية انتخاب نواب أرض الصومال، وتم حل ذلك بأن تولَّى رئيس البرلمان محمد جواري هذا الملف كان شخصا محايدًا وغير مرشح، وتم تشكيل لجنة انتخابية مستقلة بشأن انتخابات نواب أرض الصومال في مقديشو، وكان عدد من أعيان الشمال مثل اللواء المتقاعد جامع غالب، وحسين فيلابي كاهيه – توفي مؤخرا رحمه الله- وغيرهما من وجهاء قبائل الشمال الذين شاركوا، والآن يتم إدارة ملف نواب أرض الصومال من مكتب رئاسة الوزراء، ويبنغي احترام رغبات الشماليين، وأن يشعروا بالمساواة والعدالة وحرية الاختيار، ولكن ما يدور الآن من نزاع مستمرة حتى اللحظة حول اللجان ونوع أعضائها، يعني هناك ضبابية كبيرة.
ولكن ألستم أنتم اقتنعتم بالحلول التي طرحها رئيس الوزراء روبلي بشأن إعادة تنظيم اللجنة الانتخابية الخاصة بالنواب الشماليين؟.
– فيما يخص بهذه القضية نحن أدَّينا دَورنا من إبداء ملاحظات وبيانات وتوصيات، ولا شك أن رئيس الوزراء عمل بما يكفي من الجهد، ولكن من اللازم إقناع الأطراف التي تخصُّ القضية بالحلول المطروحة وثقتهم بها، وبالفعل ما زالوا يشتكون.
في الفترة الانتخابية السابقة كيف تمكنتم من انتخاب 329 نائبا من غرفتي البرلمان ورئاستهما ورئيس الجمهورية في جوّ سلميّ وفي غضون خمسة أشهر فقط؟.
– كما ذكرت لك آنفا، لقد بدأنا تطبيق رؤية 2016 منذ فترة طويلة، وشكلنا الهياكل العليا لها مثل الولايات الفيدرالية لأنها الأساس في الانتخابات، ولأن الانتخابات كانت تعقد في السابق في دولة مجاورة مثل كينيا وجيبوتي، وتمّ عقدها في مقديشو وحدها لأوّل مرة، وعملنا من أجل نقلها إلى الأقاليم الصومالية، وتشاورنا مع رؤساء الولايات، وأقول لك بأنه إذا بدأت الانتخابات في الأقاليم فإن الرئيس ليس له نفوذ ورأي في مسيرتها، بل إن إدارة الانتخابات هي بيد الولايات الإقليمية الفيدرالية واللجان الانتخابية.
أما الفارق الآن فهو أنني عندما انتهت فترة رئاستي في سبتمبر 2016م فإن اللجان الانتخابية شكّلت وكانت تؤدّي واجبها، ووقَّعتُ على المرسوم الرئاسي في عدم تعيين أحد أو إقالته أو عقد صفقات، وكنت منتظرا للنتائج، وقد حدث أن بعض الولايات قامت بتأجيل تقديم لائحة النواب المنتخبين لمدة عشرين يوما إلى اللجنة الانتخابية المركزية بحجة حل بعض النزاعات بين القبائل، فمثل هذه القضايا الفنية يمكن أن تؤجّل الوقت المحدد، وقد انتهى معظم انتخاب البرلمان التاسع في شهر نوفمبر، وتم أداء القسم في 27 ديسمبر 2016م.
كيف تنظر إلى التأجيل الذي وقع مؤخرا في الانتخابات؟!
– ينبغي ألا نتأخر عن الجدول المعدّل الأخير الذي ينصُّ على إجراء الانتخابات لمدة شهرين حتى العاشر من أكتوبر المقبل، وعندي قلق إزاء إمكانية التأجيل مرة أخرى، نعم رئيس الوزراء له جهود مشكورة في إنجاح إجراء الانتخابات، وعمل زيارات لبعض الأقاليم، وأشرف على تدريب اللجان الانتخابية، ولا شك أن عندنا كاتحاد مرشحين شكاوى، وأصل مطالبنا إجراء انتخابات متفق عليها في البلاد لكونه مبدأ متفقا عليه، وبسبب مطالبنا تلك شُنّ الهجوم علينا أكثر من مرة وعانينا، وما زلنا على هذا المبدأ، وحتى الآن لا أحد يستشير بنا، بما عندنا من الخبرة وكوننا المتسابقون إلى المنصب.
لكن سيادة الرئيس في الفترة الانتخابية السابقة لم تقوموا بالاستشارة مع المعارضة، ولم يتم إشراكهم في صناعة القرار، أليس من حق هؤلاء العمل لوحدهم في إنجاز المهمة؟!.
– المعارضة عندهم استشارة وتقدير لملاحظتهم، وفي الفترة السابقة اعتبرنا ملاحظات المعارضة، مثلا صرح رئيس الشرطة السابق في محفل لتخريج ضباط إن رئيسين سابقين للشرطة سيصوتون لصالح الرئيس حسن شيخ محمود، فأبدت المعارضة رفضها لهذا التصريح، وتم تغيير مكان إجراء الانتخابات من أكاديمية الشرطة إلى مقر القوات الجوية، واشترطوا ألا تتولى الشرطة حراسة هذا المقر لكونها غير محايدة، وبالفعل قبلنا مقترحهم، لأننا كنا نستمع إلى شكاواهم.
الأمر الثاني أنني كنت منسجما مع رئيس البرلمان ورؤساء الولايات الإقليمية، وهذا ما نفتقده الآن، والخطر الآن لا يكمن في انتهاء الفترة الشرعية لمؤسسات الدولة، بل هذه المؤسسات ذاتها منقسمة، فالبرلمان منقسم منذ فترة طويلة، ولم يكن يعمل معا قبل انتهاء الفترة الدستورية، والولايات الفيدرالية منقسمة ما بين مؤيدة للرئيس ومعارضة له، وانقسمت القوات الأمنية كما حدث قبل شهرين ما مدافعين للدستور ومدافعين للرئيس والتمديد، وهذا لم يكن موجودا في الفترة السابقة، فالجميع كانوا متحدين مع اختلاف وجهات النظر ووجود معارضة على أن يتم حل المشاكل بطريقة ودية.
سيادة الرئيس هناك موظفون في الدولة وفي القطاع الأمني يعلنون ترشحهم للبرلمان خاصة مجلس الشيوخ وغيره من المناصب، هل هناك قانون يمنع ذلك؟!.
– هذا يخالف عرف الدولة وسلوكها قبل أن نأتي إلى القانون، فالموظفون المدنيون في المؤسسات الحكومية وفي القطاع الأمني وفي السلك القضائي لا يجوز لهم الانخراط في السياسة، فالهيئات الأمنية تقوم بتثبيت الأمن، والقضاء يقوم بفصل الخصومات. هناك قانون صومالي يمنع ذلك لا أتذكر أين هو، ولكن سأرسل إليكم، ومن غير المعقول أن يترشح ضابط في الأمن، أو قاض في محكمة، ثم يعود إلى منصبه بعد أن يفشل في الحصول على المنصب، هذا أمر مرفوض ونحن كمرشحين نعمل من أجل إصدار بيانات.
هل وقع ذلك في فترتك؟
– لا أعلم من يتقلد منصبا مدنيا وعسكريا قام بترشيح نفسه.