صعود فرماجو رئيسًا للصومال كان نتاج نظام انتخابي هش تسلل إليه بخطاب شعبوي عزف على الوتر الحساس في قلوب شعبنا المنهك والمطحون بالأزمات السياسية والاقتصادية ، وثقل التدخلات الخارجية الفجة . وركزت حملته الانتخابية على مداواة العزة المجروحة أوتسويق وبيع حلم استعادة الكرامة والأمن والاستقرار للصومال . وكعادة شعب كريم توسم صعوده خيرا لقي فرماجو ترحيبا شعبيا كبيرا في العديد من المدن ، وساهم الإعلام الجديد الموجه على مضاعفتها ، ونجح الأخير بالفعل حراسة الوهم الذي حمله في قلوب شرائح مجتمعية مختلفة طوال مدة حكمه . . تلك كانت عقدة مولد هذا النظام .
خلال الحملة الانتخابية ، قدم فارماجو العديد من الوعود: منها معالجة انعدام الأمن ، وقمع الفساد ، وبناء جيش وطني قوي ، وتحسين أجهزة المخابرات ، وفتح محادثات مع حركة الشباب ، وتعزيز المصالحة وإعادة بناء البلاد ، وتطوير النظام الانتخابي ، وترسيخ مبدأ التدوال السلمي للسلطة ، وإتاحة الحريات وتحسين تماسك الجبهة الداخلية والتقدم في ملف صومال لاند، وخلال فترة حكمه صدم الشعب بثغرات أمنية مميتة ، وفساد منهجي ، وتسييس للجيش ، وسوء استخدام لأجهزة المخابرات ، واستبعاد لملف المصالحة ، وغياب رؤية لبناء الدولة ، وفشل في تطوير النظام الانتخابي والتداول السلمي والزمني للسلطة ، وتضييق للحريات ، وتفكيك للجبهة الداخلية وتقهقرفي إدارة ملف صومال لاند .
وقبل الوقوف على عار نهايته ، أذكركم بشريط سريع من الأحدث التي هزت قلوب الغيورين على مستقبل هذا الوطن خلال السنوات الخمسة الماضية أهمها:
1. غياب البوصلة والتنظير السياسي : خلال السنوات الخمسة الماضية خيب هذا النظام البائس كل المراهنين على رشده وقدرته على المساهمة في حل القضايا المصيرية في مسيرة بناء الدولة الصومالية ، وصياغة رؤية وطنية لإدارة تناقضات المشهد السياسي ومشاكله المزمنة وعلى رأسها قضية الأمن ، ومن ذلك مواجهة حركة الشباب الإرهابية ، وتفادي ضرباتها المميتة التي تهز ثقة المجتمع بدولتهم ، وهيكلة القوى الأمنية وتطويرها لتولي مسؤولية الأمن ، وقضية الدستور ، وإرساء أسس النظام الفيدرالي ، والتوزيع العادل للثروات ، وتدشين نظام قضائي فعال ، وتطوير النظام الانتخابي أو طريقة اكتساب الشرعية . وخلال السنوات الخمسة الماضية ، افتقر هذا النظام للرؤى والتنظير السياسي لبناء الدولة ، ودشن بدلا من ذلك مسلكًا إقصائيا يقوم على التخوين والتشويه لشركاء الوطن ، وأصبحت الجبهة الداخلية للوطن أضعف وأقل تماسكا بالمقارنة مع السنوات التي قبله ، بل أصبحت أكثر توترا وقابلية للإنفجار .
2. إضعاف الجبهة الداخلية : يقوم العمل السياسي الناجح على الحوار والتفاهم والانفتاح لمختلف القوى السياسية ، وفي سياقنا الصومالي ، يبرز مبدأ تعزيز المصالحة الوطنية كضرورة أساسية لبلد وشعب يتعافي من صدمة الحروب الأهلية وما سبقها من استبداد وانتهاك لحقوق الإنسان الذي نتج عنه مظالم مجتمعية قتلت ثقة المجتمع بالدولة ومؤسساتها . للأسف الشديد ، كان الإقصاء والتخوين والقمع والتعديات الحقوقية ممارسات منهجية ضد الشركاء السياسيين من القيادات السياسية المعارضة ، والولايات الفيدرالية ، والصحفيين والمجتمع المدني ، مما خلق شرخا واسعا بين فرماجو والشركاء السياسيين ، ومما زاد الطين بلة ، المحاولات الحثيثة لنظامه لصياغة المشهد السياسي عبر تسييس القوى الأمنية ، واستغلال القوات الأجنبية ، واستخدام المال السياسي للتحكم في نتائج الإنتخابات في معظم الولايات الفيدرالية ، والتي نجح في بعضها وفشل في بعضها الأخر، مما خلق جوا من عدم الثقة ، والخوف من تجذر هذا المسلك الخطير الذي يعرقل مسيرة بناء الدولة بقتل العامل الأهم في حركتها البطيئة وهو بناء ثقة الناس بمؤسسات الدولة الحديثة ووظائفها التي يفترض أن تمثل الصالح العام للمجتمع وليس لقلة من الأفراد الذين وصلوا لسدة الحكم حاملين هوس السيطرة والتحكم على رقاب الناس .
3. استفزاز المشاعر الوطنية : مثل(بفتح الثاء) تسليم المناضل عبدالكريم قلب دجح لإثيوبيا علامة فارغة في مسيرة حكم فرماجو، حيث حددت علاقة نظامه بالوطنية واستعادة العزة والكرامة التي نادى بها ، وكشفت أيضا سياستة الخارجية التي لاتحترم تاريخ النضال ضد الظلم والقمع الإثيوبي للشعب الصومالي ، ووصل البؤس والاستفزاز بنظام فرماجو بإقامة علاقات حميمة مع القيادات الإثيوبية والأرترية مع غموض غريب يلف بها ، في الوقت الذي ساد الجفاء في علاقته بأشقائه في جيبوتي وشركائه الوطنيين في الداخل .
4. بروز شبح الدولة البوليسية : نتج عن هوس السيطرة والتحكم الذي استبد في عقول عرابي نظام فرماجو، نزعة شديد نحوالإقصاء والتخوين والقمع والتي برزت بوادرها في صدر ولاية فرماجو بالهجوم على منزل السياسي المعارض عبدالرحمن عبدي الشكور مرورا بسلسلة من الأحداث القمعية آخرها تفريق مظاهرة يقودها أبرز القادة السياسيين بالناروتعريض حياتهم للخطر، استخدام إدارة المجال الجوي كوسيلة للقمع والحجز وأبرزها الحصار الجوي لولاية جوبا لاند ، وليس آخرها قضية ضابطة الأمن إكرام تهليل وما شابها من تهم لازال النظام الحالي يستميت في عرقلة أي تحقيق نزيه في ملفها ، والمحاولة الفاشلة لعرقلة الانتخابات .
5. الاستصنام في السلطة : أخطرمسلك قيادي للرئيس الحالي هو نزعته للبقاء في سدة الحكم بأي ثمن ، ومن ذلك تجاوزه المتعمد لإجراء الانتخابات في وقتها ، ومحاولة تمديد فترته الرئاسية لسنتين ، واستماتته لصياغة الانتخابات غير المباشرة على مقاسه ، ومقاومته الشديدة لتنقيذ الجدول الانتخابي مستخدما القوى الأمنية التي حاولت منع النواب من الوصول إلى قاعة الانتخابات لاختيار رئاسة المجلس .
باختصار ، خلق النظام الحالي توقعات كبيرة ، لكنه عجزعن احتواء حركة الشباب ، وتحسين الخدمات العامة ، والحد من انتهاكات حقوق الإنسان ، وتمثيل الشعب الصومالي أساسًا ، مما حطم الآمال في مستقبل مستقر ومزدهر. وبعد خمس سنوات تقزمت الأحلام الكبرى أو بالأحرى الشعارات التي رفعها فرماجو في حملته الانتخابية في قضية (نواب جدو) والتباهي بتزييف بطاقات مجلس الشعب وإدخال أفراد يحملونها عنوة لقاعة المجلس لعرقلة الانتخابات ، وهذا عار نهايته وملخص قصة نظام إقصائي آيل للسقوط .