يحتدم الخلاف في الصومال هذه الأيام بين مؤيد للرئيس ومساند لرئيس الوزراء على إثر الخلاف الذي نشب بين رئيس الوزراء ووكالة المخابرات الوطنية والذي تحول إلى صراع على النفوذ كاد أن يشل عمل الحكومة واجراءاتها.
ولكن الذي لا تهتم فيه السجالات المجتمعية التي تدور في وسائل التواصل الاجتماعي هي عدم التفريق بين أصل المشكلة وتوابعها؛ لذلك تنشغل أغلب النقاشات بالجري وراء التصريحات والفرمانات الصادرة من الرجلين المتصارعين، متناسين أن أصل المشكلة كان إنسانيا.
وعليه فإننا نحاول الوقوف على أصل المشكلة وتحليل حيثياتها الإنسانية بعيدا عن الصراع السياسي؛ لأن التماهي مع الصراع يفرغ القضية من مضمونها الإنساني الذي يجب التركيز عليه، والسؤال الأهم هو من قتل موظفة جهاز المخابرات الوطنية؟ ولماذا تحول الأمر إلى صراع على النفوذ؟
فتل أم اختفاء؟:
كان الحديث حول اختفاء الموظفة في جهاز المخابرات إكرام تهليل فارح مستمرا منذ نهاية شهر يونيو، ولم تكن الحكومة تعير اهتماما يذكر في شأن اختفائها إلا في دوائر ضيقة بينما كانت عائلة البنت توجه أصابع الاهتمام إلى جهاز المخابرات، وفجأة أصدر جهاز المخابرات تصريحا نشر في الاذاعة الوطنية مفاده أن موظفة الجهاز قتلت من قبل حركة الشباب وبدون توضيحات كافية، وقد مثل هذا الخبر القشة التي قصمت ظهر البعير!… ثم بدأ رئيس الوزراء بتصعيد الأمر سياسيا وإنسانيا بينما حاول رئيس البلاد إيقاف التصعيد وتخفيف حدة التوتر إلا أنه لم يستخدم اجراءات مطمئنة لعائلة البنت فضلا عن كونها لم تكن مقنعة لرئيس وزراءه مما جعل زمام الأمر ينفلت من الرجلين.
المعركة الأخلاقية
وبعيدا عن الأوراق المتطايرة من مكاتب الرجلين إلا أن رئيس الوزراء استطاع أن يدير المعركة الأخلاقية لصالحه حيث أنه ركز في جميع تصريحاته العدالة التي يجب أن يحظى بها ملف القضية وإحالته إلى الجهات المختصة، وكذلك عدم تدخل السلطة التنفيدية في الاجراءات القضائية كما تمكن من مقابلة عائلة البنت معزيا ووعدهم بمطالبة حقها كونها موظفة حكومية تم اتهام قضيتها في أحد أجهزة الحكومة.
وفي مقابل ذلك فإن جميع تصريحات الصادرة من مكتب الرئيس خلت من الإشارة إلى مقتل الموظفة التي كانت تمثل أصل الخلاف فضلا عن عدم تواصله مع عائلة البنت، بينما ركزت أغلب بياناته البنود الدستورية المتعلقة بسلطاته وأحقيته في تعيين ضباط الأمن مما يعني أن فريق الرئيس حاول ادارة المعركة السياسية فقط ولم يلتفت إلى المعركة الأخلاقية والإنسانية التي كانت الركيزة الأولى للخلاف!، وهذه سقطة واضحة.
وهناك سؤال آخر مفاده لماذا يتم تعطيل اجتماع محلس الأمن الوطني لسماع تقرير وكالة المخابرات من قبل رئيس الوزراء اذا كان يسعى معرفة الحقيقة؟!. وبالبساطة الشديدة إن دعوة هذا الاجتماع يدخل في خانة الصراع السياسي؛ لأن الذي دعا إليه في الأساس كان رئيس المخابرات الوطنية ليتفادى من مطالبات رئيس الوزراء الذي اعتبر من جانبه تلك الدعوة إهانة له ورفضا صريحا لأوامره، ولذلك لم يُعر إليه إهتماما يذكر، و اعتبره تدخلا في شؤون القضاء؛ لذلك فإن انعقاد هذا المجلس لم يحظ بتوافق الأطراف فضلا عن أن إصدار الرئيس قرارا لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للقضية جعل صلاحية انعقاد مجلس الأمن الوطني منتهية، وإلا فماذا تحقق هذه اللجنة اذا كان لدى جهاز الأمن الوطني تقريرا شاملا عن قضية الموظفة!.
العدالة الانتقالية
تسمي المنظمات الدولية لحقوق الانسان مجموعة التدابير القضائية التي تعالج الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المتوارثة من الأنظمة الاستبدادية باسم العدالة الانتقالية وتمثل ضمانا لحقوق الضحايا وكرامتهم؛ لذلك على العقلاء التركيز على التدابير اللازمة لاستقلال القضاء وفصل السلطات حتى يتمكن المواطن من مطالبة حقوقه أمام القضاء وبدون خوف من الملاحقات الأمنية، بدل الانشغال بالقضايا السياسية الآنية، ورغم أن رئيس الوزراء بدأ يسجل نقاطا في المعركة الأخلاقية في خلافه مع الرئيس ليقظة فريقه. إلا أن فريق الرئيس خسر في السلطة الأخلاقية واهتم بالسلطة الشكلية المتعلقة بالجانب السياسي والإجرائي أكثر!؛ ومع أن القائد الحقيقي هو الذي يهتم بالموقف الأخلاقية أمام شعبه قبل المسميات الإدارية والشكليات.
ومن جانبنا كمواطنين علينا أن نركز الجانب الإنساني المتعلق بحقوق المواطن؛ لأنه هو الرصيد المتبقي للوطن بينما الجانب السياسي يخص بالساسة الحاليين ومستقبلهم وكلا الرجلين قد يتحول إلى ماضي البلاد السياسي بعد أشهر، فلماذا نبكي على الماء المسكوب وننسى بناء مستقبل الأمة وحماية حقوقها وكرامتها.
(لله الأمر من قبل ومن بعد).