مكافحة الفساد، يعني مقاومة الظلم، ومقاومة الظلم أصل من أصول الدين؛ لأنه يدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة، ومن جهة أخرى لبّ رسالة الإسلام، التي هي رحمة للعالمين، وعدل وإنصاف للبشرية، سواء بين بعضها البعض، أو بينها وبين خالقها؛ لذلك يكون مقاومة الفساد واجب ديني؛ لمن يؤمن بقدسية محتوى الرّسالة، وفرضية إنزالها إلى الواقع المعاش.
وانظلاقًا من هذا المبدأ ينبغي أن تكون النزاهة، والعدالة سمة أساسية للأمة المسلمة أينما وجدت، ومعلمًا بارزًا تشتهر به قبل غيرها من الأمم، غير أننا للأسف نلاحظ عكس ذلك تمامًا، فالبلدان الإسلامية أكثر بلدان العالم فسادًا وفوضوية، واستحلالًا للأموال العام، وسفكًا لدماء الأبرياء .
فالمجتمع الصومالي الذي يفخر دائمًا بأنه بلد مسلم عريق، وأن سكانة مسلمون خلّص، يعاني منذ عقود-إن قللنا العدد- ظاهرة فساد مستفحلة ومتجذرة، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو إدارية أو اجتماعية، أو غيرها. فالفساد ينخر أركان الدولة ومؤسسات المجتمع، ويهدر مقدرات الشعب وثرواته، ويتفرج المجتمع عليه، بل يشجع كثيرون منه على فعله، ويصوّرون للعامة أنّ فاعله بطل خارق جمع بين الكياسة، والبداهة، والاحترافية والجسارة.
وليس لصًا، ولا مختلسًا، ولا سارقًا، ولا فاسدًا، يجب تقديمه إلى العدالة، معذرة إن ذكرت العدالة هنا في بلد تُعتبر مؤسسته القضائيّة من أفسد مؤسسات الدولة بدون منازع، وفق شهادات جلّ من تعاملوا معها بما فيهم المحامون والقضاة أنفسهم.
المصلحون -رغم تباين مشاربهم وغاياتهم- اتفقوا على مشروعية مكافحة الفساد، ولكنّهم اختلفوا في الطريقة والكيفية. فأنا أقترح هنا مواكبة مع تطورات التقنية الحديثة، والاستفادة منها، طريقة بسيطة لمواجهته، لعلّها تكون بداية جيدة نحو الهدف المنشود.
دعونا -أولاً- نعترف بأن المجتمع ليس له قيادة حكومية قادرة على التأثير الإيجابي نحو الإصلاح، ومحاربة الفساد، أو ليس لديها رغبة في ذلك. وعليه نتجه إلى الجهة الأخرى القادرة على فعل شيء، على الأقل المرحلة الحاليّة، وهي أية جهة لها منبر حرّ تستطيع أن تُبلغ رسالتها إلى المستمعين أو المرتادين، بدءا بالعلماء والخطباء، ومرورًا بالمعلمين في المدارس والجامعات والكتاتيب، ووصولًا إلى الأسر والمنابر الإعلامية، وغيرها، ونحثّ عليهم تخصيص مساحة واسعة من خطبهم ودروسهم لبيان أضرار الفساد على أخلاقيات المجتمع وحياته وتنميته واستقراره، وضرورة القضاء عليه واقتلاعه من جذوره.
ونبدأ بمحاربة الفساد الراهن المعلن، وهو الفساد السياسي، مستخدمين شبكات التواصل الاجتماعي المتاحة منصة لنا، ونعرض أسماء شيوخ العشائر، والقيادات التقليدية التي تُسهم في الإفساد، وترسل إلى البرلمان كثيرا من حثالة القوم مقابل تلقيهم رِشىً مقبوضة، ووعودا مؤجّلة عند وصولهم إلى عتبة المجلس. ونُشَهِّر بهم ونفضحهم، حتى يسقطوا من أعين عشائرهم ومن يقطن معهم، ويفقدوا مكانتهم الاجتماعية.
ثمّ نعمّم الاستهداف لجميع المؤسسات والأفراد، بغض النّظر عن مراكزهم الاجتماعية وانتماءاتهم العشائريّة، ونعرض تصرّفاتهم السيّئة، وتكتيكاتهم الخبيثة على المجتمع، من خلال نشرها في الشبكة العنكبوتية، حتى يعلم النّاس جميعًا ولا يغترّ وا بهم. ولكن بأدلّة ووثائق، سواء مرئيّة، أو مقروءة، أو مرويّة.
وبهذه الطريقة، ومن باب تغيير المنكر باللسان واليد، وهي القلم الآن، يمكننا أن نوقف زحف الفساد المستشري، أو على الأقل أن نقلل حجمه، ونرفع وعي المجتمع، ونُقوّي مناعته من تأثير الترويج الدعائي السافل الذي يُغذّي الوصوليّة، والنفعيّة، ويتبع أسلوب الغاية تبرر الوسيلة. هذه المقاومة لا تحتاج إلى تكلفة مادية، بل إلى المصداقية، والجرأة، والرغبة الحقيقية في الإصلاح ومنع الفساد، وهي أمور يمتلكها كلّ وطني غيور، حريص على بلده، يريد أن تنتشر فيه قيم النزاهة والعدالة، ويطمع في تقدّمه وازدهاره.
لانستسلم للفساد وإن كثر متعاطوه، وتعددت طرقه، وتنوعت أشكاله؛ لأن الله لم يكلّفنا إلا ما نستطيع، بنص قوله العزيز: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]
….فلنبدأ الآن…وليس غدا……