مرحبا ساذجتي أرجو أنك ما زلت كما أنت، بعيدة عن تيار الإعتياد والتفاهات التي تسيطر على عالمنا. كنت جالسة أفكر بكل هذا الدوامة التي تتجسد فوق رأسي لتخلق لحظة من الفوضي العقلية والتي تنتج عنها عصبية غير معروفة تسيطر علي بضعة دقائق، أو ربما صداع يهجم على رأسي فيجعلني في حالة بائسة لا أستطيع معها إلا ان أجلس وأبدأ بكتابة كل ما يمليه رأسي من هذيان أو خربشات كما أحب تسميتها.
وها أنا أجلس فوق الحاسوب أداعب لوحة المفاتيح ولا فكرة تأتيني لأكتب عنها وأعرض مهاراتي الكتابية القاتلة من خلالها، فقررت أن أكتب لك وأستهل بك ثرثرتي، فكما تعلمين لا تحلو ثرثرتي إن لم تكوني محورها. ربما أنت الان بغاية الشوق لتعرفي ما سأكتبه لك أو ربما لن تستطيعي الإستمرار بالقراءة بسبب ذاك الكائن المزعج الذي يطلب منك حقه في الرضاعة ، هو لا تأتيه رغبة البكاء إلا حين أكون أنا بالأرجاء، حسنا أظن أنكما إتفقتما أن تتحصنا من إزعاجي ببكائه حين أظهر، لكن دعني أخبرك أيها المتمرد الصغير أمك هذه كانت وستبقى ساذجتي التي تلهمني وتجعلني أكتب كمية من الثرثرة لا بأس بها فلا تحاول فرض نفسك علينا. عزيزتي أين كنت قبل أن ادخل جدالا مع صغيرك المزعج؟، آه كنت أقول انك ربما لن تقرئي كل هذا الهراء الذي أكتبه، لكن سأستمر به رغم ذالك.
يوم أمس أردت أن أقلد جودي(بطلة رواية صاحب الظل الطويل) وأخلق لنفسي شخصية خيالية أكتب إليها يومياتي ومشاحناتي مع صغيرتي، أردت أن أخبره كل ما يجب وما لا يجب، لكن تذكرت أنك ربما ستقتليني إن استبدلتك بشخصية خيالية فغرابة أطوارك تكفي لتنتحلي شخصية خيالية ،على أي حال أنت كائن فضائي محير بالنسة لنا كما قال صيق لنا ذات مرة. يبدو أن شخصيتي المتمثلة بصاحب الظل الطويل سيكون أنت فدعني أخبرك شيئا جديدا إذا .. قرأت ذات مرة مقولة مفادها أن العقل هو كل شيء، فتسائلت لو كنا نستعمل عقلنا في كل شيء كيف كان يبدو عالمنا هذا، هل كان سيصبح أكثر نقائا وأكثر نضارة، وأيضا هل كل ما نراه من دمار وخراب وكراهية حولنا اليوم ناتجة عن سبب استعمال سادة العالم عقولهم ، ظللت أحلل مسألة العقل هذه حتى كاد عقلي ينفجر. فأخبريني أنت كيف يكون العقل هو كل شيء، إذا تركنا عواطفنا وقلوبنا جانبا وأصبحنا فقط نعمل عقلنا والمنطق في كل شيء ، الا يعني هذا اننا سنكون كتلة من القسوة، أو اذا تركنا العقل وسلكنا طريق القلب والعواطف ألا نكون حفنة من الهواة واللامعقولين؟.
ساذجتي أعتذر إن جعلتك تخوضين في مسألة سخيفة كهذه لكني فقط كنت أتسائل لو كان بعض الفلاسفة لم يتبجحوا ولم يضيعوا وهم يبحثون عن حقيقة الكون واهتدوا بخالق الكون وصانعه بكل هذا الإتقان بدون أن يلجأو إلى تفسيرات الذرة وأن الروح خالدة تذهب من الجسد حين يموت لتتجسد في شكل أخر، ألم يكن العالم أكثر معقولا وكل الحضارات أصبحت توحد خالقها وواجدها، برأيي كان أفضل لو سقراط بكامل ادعائه الماكر للجهل وهو يطلق اسئلته الوجودية لو تصادف مع رسل من أنبياء الله ربما كان الآن يوحد الله مع الموحدين ويثبت أن أسالته كلها لقت أجوبتها الصحيحة.
دعنا الآن من الفلسفة ربما تتسائلين الآن هل جنت الفتاة، لا بأس فقراءة الفلسفة وحضارات العالم لا تعني بالضرورة أن نعتنقها ونقاتل بكل ضراوة لقضية لم نفهما أو نعرفها الا خلال قراءة بعض الكتب، فكما قال أحد الكتاب الذين قرأت كتبهم( لا أتذكر إسمه بالتحديد فهذه حالي أنسى كثيرا اسماء الكتاب)”إقرأ كل شيء وأي شيء ،لكن بعيون ناقدة، لا تهضم كل أفكار التي تقرأها بسهولة”، كنت فقط أتشارك معك أفكاري ألم نتفق على أن أخبرك ما يجب وما لا يجب!. أتذكر أني كنت جالسة أطعم صغيرتي ذات مرة ، ومشهد إطعامها حكاية أخرى، فقط تصوري هي تجري وأنا أركض ورائها حاملة ملعة من الطعام أردد (ماما هم، كلي لتكبري)، وهي تجري غير آبهة بي وبرجائي، أمسكها بعد تعب وألقم الملعقة بفهما لترسم على وجهها ذاك التعبير المشاكس، تنذر جولة أخرى من الجري والركض، فتسائلت في نفسي كيف تستمتع هذه الشقية بتعذيبي هكذا، لما لا القنها درسا صغيرا (أنا من كل عقلي أريد أن أتشاجر مع رضيعة، أعلم أنك تسخر مني لكنك ستعذرينني يوما)، فجلست مكاني وناديتها تعالي وإلا سآكل طعامك أنا ، وجعلت نفسي غاضبة وأضفت نبرتي بعض القسوة، توقفت من الركض نظرت نحوي وانفجرت بالبكاء. هكذا بكل بساطة أصبحت أهدئها ساعة كاملة ، وخلقت لنفسي مشكلة جديدة. يومها بدأت أتخيل ان الأطفال أكثر منا إدراكا وفهما للأشياء فأنا أؤمن أن تلك اللحظة أدركت تلك الصغيرة بأني أريد أن أوقعها بالفخ أوقعتني هي بفخها!..
غريب أن أتحدث هكذا برأيك ولكن من يوم ولادتها إلى الآن وهي تعلمني الدرس تلو الأخر، بدأت أعرف كيف أصبر وأتحمل ضربات فجائية وعصبية لا سبب ولا معنى لها، بدأت أفهم كيف كنت طفلة بائسة عذبت أمها بتلك الطريقة المريعة، وأصبحت أفهم لهجة جديدة تتلخص بحرف الباء والواو، فأحيانا يكون معنى الحرفين أنا جائعة واحيانا أنا نعسانة، أو أنا أريد الدلال والغناء لي، والاكثر غرابة أن تلك الحروف حين تتكرر ثلاث مرات بنبرة عالية تعني أنا منزعجة ولا ينفع معي أي شيء تفعلينه!..فأخبريني بالله عليك يا ساذجتي هل هناك من هو أكثر حظا وتعاسة من أن تصبحي أم!. سأتوقف قليلا الآن يا ساذجتي، ولنا لقاء أخر.