لقد أثارت المشاركة المحتملة لإثيوبيا في بعثة الإتحاد الأفريقي في الصومال (AUSOM) مخاوف بسبب التوترات الأخيرة بين إثيوبيا والصومال،بسبب توقيع اتفاقية “أديس أبابا ” المثيرة للجدل فى يناير ٢٠٢٤ مع إدارة منطقة “أرض الصومال”الانفصالية، والتي تسمح بإنشاء قاعدة عسكرية على الأراضي الصومالية، وأدى ذلك إلى توتر العلاقات، وإحياء الضغائن المدفونة والعداوات التاريخية بين البلدين.
إن مبدأ عدم اليقين المحيط بمشاركة إثيوبيا في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ينبع من تحفظات الصومال بشأن إلتزام إثيوبيا باحترام سيادة الصومال ووحدته،وسلامةأراضيه.
ولقد أثارت الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية الشكوك حول مدى جدارتها بالثقة والتزامها بالمعايير الدولية،ومبادئ حسن الجوار.
إن إحجام الصومال عن الثقة الكاملة بإثيوبيا في سياق جهود حفظ السلام يسلط الضوء على الطبيعة الهشة للديناميكيات الإقليمية وتعقيدات المظالم التاريخية حيث تظل الحاجة إلى الاحترام المتبادل والتعاون والالتزام بالمعايير الدولية ذات أهمية قصوى لتعزيز السلام والاستقرار المستدامين في منطقة القرن الأفريقي.
ولقد بذلت الصومال على مدى العقدين الماضيين، جهوداً لتجاوز تاريخ العداء مع إثيوبيا، فأظهرت المرونة الدبلوماسية، وخلقت أجواءا من الطمأنينة من جانب القيادة الصومالية،ملتزمة على هذا النهج، على الرغم من الضغوط، والشكوك والانتقادات من مختلف الجهات المحلية على القيادة الصومالية بسبب الخطوات التي اتخذها الرؤساء الصوماليون المتعاقبون منذ بداية الألفية الجديدة.بدءاً من عبد القاسم صلاد حسن،واستمراراً في عهد عبد الله يوسف أحمد،ومرورا بفترى شيخ شريف أحمد، وحسن شيخ محمود، ثم محمد عبدالله فرماجوا،وانتهاءا بالرئيس الحالي، حيث شرعت الصومال في اتخاذ سياسة جديدة تهدف إلى الحد من حدة النزاع الطويل مع إثيوبيا.
وقد تضمن هذا التحول غض الطرف عن قضية ” الصومال الغربي ” التي كانت منبع الصراع الطويل بين البلدين، وإعطاء الأولوية،أو الفرصة للتفاهم والتعاون على المظالم والعداء التاريخي بين البلدين..
ولقد ساهمت الاتفاقات غير المتوقعة التي تم التوصل إليها بين جبهة تحرير الصومال الغربي -المدعومة من الصومال سابقا- والحكومة الإثيوبية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فضلاً عن الاتفاقات اللاحقة مع جبهة تحرير أوجادينيا بعد الإطاحة بقومية تيجراي في عام 2017 عن الحكم، في اتباع نهج أكثر تصالحية في العلاقات الصومالية الإثيوبية.
وعلى الرغم من جهود الصومال لتعزيز حسن الجوار والاستقرار الإقليمي، فقد سعت إثيوبيا إلى استغلال نقاط الضعف السياسية والأمنية في الصومال منذ سقوط نظام محمد سياد بري العسكري في عام 1991.
وبعد الإطاحة بنظام الجنرال سياد بري على يد الجبهات الصومالية المسلحة، بدعم من إثيوبيا، شهدت الصومال فترات مضطربة اتسمت بالحروب الأهلية والتدخلات الخارجيّة الإثيوبية.
وحتى قبل الإنقلاب وفى فترة الحكم المدنى واجهت الحكومة الصومالية فى الستينات اثر الاستقلال مباشرة بقيادة الرئيس آدم عبدالله عثمان ” ادم عدى” والتى جاء بعدها حكومة الرئيس عبد الرشيد علي شرماركي،واجهت تحديات من النظام الإثيوبي، والذي طعن في استقلال الصومال،معتبرا حينها ان الصومال جزءًا من المنطقة الشرقية لإثيوبيا، معاتبة الدول الاوروبية، كما حاول الاعتراض بقرار الأمم المتحدة لإعتراف الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة.والأشد من ذلك شنت إثيوبيا في ١٩٦٤م هجوما عسكريا جاء في حال مباغتة على الحكومة الصومالية الوليدة، إلا ان الصوماليين دافعوا عن بلدهم مستعرضين بطولات في ميادين القتال حيث لقنت إثيوبيا دروسا أجبرت على التراجع، ووقف الحرب.
ولقد أدى أطماع إثيوبيا الطويلة للسيطرة على المنطقة إلى تعقيد العلاقات بين البلدين، على الرغم من جهود الصومال لإعطاء الأولوية لبناء الدولة، والاستقرار الإقليمي،إلا أن التاريخ المعقد والديناميكيات الجيوسياسية بمنطقة القرن الأفريقي يستمر في تشكيل التفاعلات بين الصومال وإثيوبيا، مما يسلط الضوء على التحديات والفرص لعرقلة التعاون في المنطقة.
وبعد انقلاب العسكر على حكومة عبدالرشيد شارماركي في الصومال ١٩٦٩م ، ورث النظام الجديد إرثاً ثقيلاً ، وبدأ في الاستعداد للصراع المحتمل مع الدولة المجاورة،وعلى غرار الأحداث التاريخية المشابهة في فلسطين١٩٦٧، حيث سيطرت إسرائيل على أراضٍ من الدول العربية، رأت إثيوبيا الصومال ومنذ الأزل باعتبارها امتداداً للعالمين العربي والإسلامي، وجعلت نفسها معقلاً مسيحياً متحالفاً مع إسرائيل ضد المسلمين.
وقد أدى هذا الصراع الأيديولوجي إلى تأجيج التوترات بين البلدين الجارين، والتي يعود تاريخها إلى مقاومة الصوماليين للطموحات الإثيوبية في المنطقة، حيث لعبت شخصيات قيادية تاريخية مثل أحمد جرى، والأمير نور أدواراً مهمة الدفاع عن الأراضي الصومالية ضد الغزو الإثيوبي. وأسفرت الحرب العظمى في 1977 بين الصومال وإثيوبيا عن خسائر فادحة في كلا الجانبين، مما أدى في النهاية إلى تقهقر الجيش الصومالى امام إثيوبيا بدعم من الحلفاء الشيوعيين لها بقيادة الإتحاد السوفيتي وقتذاك.
وكان اخفاق الجيش الصومالي في استعادة السيطرة على منطقة “الصومال الغربي” متأثراً بالضغوط الغربية، والحسابات الجيو-السياسية الخاطئة، بما في ذلك الخلاف مع الاتحاد السوفييتي. وقد أدى سوء فهم القيادة السياسية في الصومال للديناميكيات الإقليمية آنذاك إلى جانب العقيدة العسكرية العدوانية لإثيوبيا التي تسعى الوصول إلى البحر الأحمر عبر الأراضي الصومالية إلى تفاقم التوترات بين البلدين.
وأشارت تقارير الاستخبارات الصومالية والغربية فى السبعينات إلى أن إثيوبيا لم تقبل مطلقًا استقلال وسيادة الصومال، واعتبرته تهديدًا لوحدتها ومصالحها الاقتصادية.
وكما يؤكد الخبراء الصوماليون في الشؤون الإثيوبية، الذين يسلطون الضوء بشكل خاص على طبيعة شخصية آبي أحمد غير المتوقعة وغير الحكيمة، والاستراتيجية والعقيدة القتالية للجيش الإثيوبي، الذي يصر على الاعتقاد بأنه يحق له الوصول إلى البحر الأحمر عبر الساحل الصومالي إما بالعدوان العسكرى او الخداع .
ووفقا لتلك التقارير، من الواضح أنه من منظور اثيوبيا لم تكن هناك جمهورية صومالية موحدة أصلا،كما كان إنشاء الصومال كدولة مستقلة في عام 1960 مجرد أمر الواقع وحقيقة قسرية تم قبولها من قبل اثيوبيا على مضض في ذلك الوقت، حيث تم اعتبارها – بالإضافة الاستقلال الإريتري – خطأً استراتيجيا أدى إلى جعل إثيوبيا دولة غير ساحلية،ومخططًا يهدف إلى تقويض وحدة المنطقة الإثيوبية الكبرى.
إن الاعتراف بالصومال المستقل والموحد، مع السيادة الكاملة على أراضيه، يشكل تهديدًا واضحًا لوحدة إثيوبيا وتماسكها واستقرارها الاقتصادي.” هكذا قالها هيلاسلاسى الملك الاثيوبى إبان استقلال الصومال.وهذ يؤكد أن التاريخ المعقد للمنطقة على الصراع المستمر على السلطة، والنفوذ، مدفوعًا بأيديولوجيات ومصالح استراتيجية متضاربة.
ومن منظور نقدي، فإن القادة في إثيوبيا، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، سعوا باستمرار إلى استغلال الوضع الأمني الهش في الصومال والتشرذم السياسي الذي يشهده منذ الإطاحة بالنظام العسكري.
وقد تحقق ذلك من خلال عرقلة الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة السياسية في الصومال. فقد شجعت إثيوبيا بعض المناطق الصومالية على الانفصال عن الحكومة المركزية، وحرضت على التمرد في مناطق أخرى، وخاصة ضد أي رئيس صومالي في مقديشو لا يمتثل لأجندتها في التأثير على أجهزة الحكم للدولة،كما هو الحال اليوم، حيث حصلت قبل أسبوع مناوشات وإطلاق نار بين قوات حرس الحدود الصومالية والقوات الاثيوبية فى مدينة طوبلى الصومالية ف وقت كانت اثيوبيا تحال وقف تنفيذ أوامر الحكومة المركزيةًأ بشأن اغلاق مطار المدينة أمام الرحلات المحلية والدولية اثر تمرد إدارة المطار على أوامر هيئة وكالة الطيران الصومالية بإيعاز من القوات الاثيوبية المتمركزة قرب مطار طوبلى.
وقد سمحت هذه الإجراءات لإثيوبيا بالحفاظ على مستوى كبير من النفوذ الأمني والسياسي في الصومال، وتشكيل سياساتها الداخلية وحتى تحديد مصير القادة في “فيلا صوماليا ” إلا أنه ومنذ ٢٠١١ كان هذا النفوذ فى انخفاض ملفت للنظر مما كان يقلق الإثيوبيين الذين مروا انفسهم بتقلبات وتجارب سياسية وأمنية مريرة فى حين كانت الصومال تتعافى وتتماسك حيث نمت وقويت دبلوماسيا وسياسيا .
ويتعين على حكومة الرئيس حسن شيخ محمود الحالية والتى اتخذت فى الأونة الأخيرة خطوات جريئة تجاه ردع إثيوبيا الدفاع عن الوحدة والسيادة الصومالية أن تتوخى الحذر في تنفيذ أي وعود غير مكتوبة مزعومة أنها قدمتها أثناء اتفاق أنقرة بشأن المشاركة المحتملة لإثيوبيا في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
ومن الضروري أن تنخرط الحكومة في مناقشات مفتوحة في البرلمان قبل اتخاذ أي قرارات حيال تعاملها مع هذا الملف الاستراتيجي.
ولا ينبغي أن تدرج إثيوبيا في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال لعدة أسباب.:-
أولا.إن طموحات إثيوبيا التاريخية للهيمنة على المنطقة، كما يتضح من تدخلاتها العسكرية في الصومال في الماضي، تثير المخاوف بشأن نواياها الحقيقية في المشاركة في البعثة.
ثانياً. إن الصراعات الداخلية وانتهاكات حقوق الإنسان في إثيوبيا، بما في ذلك الصراع الدائر في منطقة تيغراي وأمهرة تلقي بظلال من الشك على قدرتها على المساهمة بشكل إيجابي في السلام والاستقرار في الصومال.
وأخيراً، فإن العلاقات الوثيقة التي تربط إثيوبيا ببعض الفصائل السياسية الصومالية المتمردة على الحكومة المركزية وإمكاناتها في استغلال البعثة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الخاصة تسلط الضوء بشكل أكبر على مخاطر إدراج إثيوبيا في البعثة.
وفي نهاية المطاف، فإن إدراج إثيوبيا من شأنه أن يقوض مصداقية البعثة وفعاليتها في تعزيز السلام والأمن في الصومال. إن التمسك بشدةً وعدم تراجع الصومال عن قرارها بعدم مشاركة إثيوبيا في بعثة الإتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال يشكل أهمية قصوى لوحدتها وسيادتها، وأيضا ً للاستقرار الإقليمي وجهود حفظ السلام في منطقة القرن الأفريقي. ومن خلال اختيار عدم مشاركة إثيوبيا في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال، يخفف الصومال من خطر تصعيد التوترات مع إثيوبيا ويضمن الكفاءة التشغيلية للبعثة.
إن هذا الاختيار الاستراتيجي من جانب الصومال أمر بالغ الأهمية لتجنب المزيد من الضغوط على الحكومة الصومالية بعلاقتها مع إثيوبيا، وخاصة في ضوء الخلافات الأخيرة حول إتفاقية أديس أبابا المثيرة للجدل فى بداية ٢٠٢٤ مع “ارض الصومال” الانفصالية والمخاوف بشأن السيادة، والوحدة الصومالية.
ومن خلال خلق بيئة مواتية للحوار الدبلوماسي وحل النزاعات بين البلدين الجارين، يُظهِر الصومال التزامه بالعلاقات السلمية،وحسن الجوار.
وعلاوة على ذلك، يساعد غياب إثيوبيا عن بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال في منع التحيزات المحتملة، أو صراعات المصالح الناجمة عن طموحاتها التاريخية في المنطقة.
إن إعطاء الأولوية للحياد واحترام سيادة لصومال،ووحدة أراضيه يمكّن لإثيوبيا من المساهمة في بناء الثقة والتعاون بين الجهات الفاعلة الإقليمية، وتعزيز بيئة أكثر استقرارًا وتناغمًا.
وباختصار، فإن قرار الصومال باستبعاد إثيوبيا من قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال يشير إلى نهج استباقي في التعامل مع الديناميكيات الإقليمية، ويؤكد على أهمية الاحترام المتبادل والالتزام بالمعايير الدولية في تعزيز السلام الدائم واحترام السيادة بين الدول في منطقة القرن الأفريقي. كما أنه يشكل مثالاً إيجابياً للجهود التعاونية الرامية إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي وحل النزاعات، ويؤكد على أهمية مصداقية المشاركة البناءة من أجل تحقيق السلام المستدام فى الصومال بعيدا عن التحايل والشكوك الدى قد يفهم من تصرفات بعض الجيران ( إثيوبيا وكينيا) التى أثارت شكوكا كثيرة حول استغلالهم بغطاء الاتحاد الافريقى منذ ١٨ سنة كانوا أعضاء فى البعثة.