إن العالم اليوم أكثر أمانا بحمد الله مما كان عليه قبل قرن أو قرنين من الزمان، واستطاع الإنسان أن يستثمر هذا الأمن في النمو والازدهار على كل الأصعدة تقريبا وإن كان هناك بعض الإخفاقات التي هي في نظري من طبيعة الكون إلا أن الإنسان أصبح أقل عدوانية وأكثر احتراما للآخرين، والأمر يعود إلى عوامل كثيرة من أهمها أو أهمها على الإطلاق الحرية، الحرية في التفكير، في اختيار الدين، في التعبير، في النقد، وهي أمور لم تكن بدهية كما تبدو اليوم، بالطبع هناك من لا يرى هذه الأمور أنها بديهية حتى يومنا هذا لكن الجانب المشرق أن العالم يتجه نحو اتجاه السلام، ولم يكن الأمر سهلا، لقد تطلب الأمر حروبا كثيرة وإراقة دماء ليكون المبدأ واضحا وهو أنه ليس أخلاقيا أن يسلب أحد حرية الآخر.
إن الحفاظ على حرية الآخرين هي بالضرورة حفاظ على حرية الذات، هو أن يكون المرء قادرا على أن يخرج من إطار أفكاره الخاصة لغرض أن يفهم الآخر، أو في أقل التقدير أن يحترم كيان الآخر ووجوده، احترام الآخر ضرورة لحياة مليئة بالسلام، مما يعني بالضرورة حياة عامرة ومزدهرة، وما يثير دائما استغرابي أن تجد من يطالبك في الحوار حول مبدأ الحرية ذاته، لا أدري كيف يمكن أن يسير محاولة تفكير حر على نحو جيد إذا كان الوصول إلى غير النتيجة المقررة مسبقا جرما يستدعي عقابا يصل إلى القتل، أو كيف يجري حوار مع شخص يعتقد بأن أي قراءة للنصوص غير قراءته الخاصة جريرة في أقل الأحوال تسلب المرء إنسانيته وحقه في الاحترام والتقدير، لا أظن أن حوارا ما في مفهوم حرية المرء وكرامته سيجدي، أعني في الوهلة التي يوضع هذا الأمر على طاولة المفاوضات سينهار مبدأ الحوار برمته، وسيُفرض قانون الغابة على الفور، ليست الحرية واحترام الآخرين هي اللبنة الأساسية للحوار فحسب، إنها اللبنة الأساسية للازدهار والحياة الكريمة.
ألا يبدوا الأمر جليا بما يكفي بأنه لو أعطيت نفسي حق الإضرار بالآخر لمجرد أنه يخالفني سيعطي ذلك الحق ذاته للإضرار بي لمجرد أني أخالفه الرأي، هذا الأمر هو ما لا يستطيع الإنسان السلفي أن يفهمه، إنه يشبه آل كبون على طاولة القمار، فهو سيأخذ المال إذا فاز في اللعبة، وإذا فازوا عليه وضع المسدس على الطاولة.