أعيش في ثنايا مجتمعٍ يسودُه التخلفُ من جميع الأصعدة الحياتية،ما من مجالٍ إجتماعيٍ الّا وقد أغْلفهُ غبُار التخلف، أحياناً عندما كنتَ وحيداً وفي زاويةٍ هادئةٍ حيثُ تفكّر في واقعهمْ الراهن البائس لا تبتعد ذاكرتكَ أنهم يعيشونَ المرحلة ما قبل التاريخ،ومن العسيرِ جداً أن يصدقَ أحدٌ من الدول المتقدمةِ أن من ألوان الحياة المعاصرة مثل هذه، ولو لا القرطاس والقلم لأنكر الحياة البدائية التي عاشهاْ الإنسان القديم، لكن في موقعي الجغرافي حقيقةً لا تجدُ فروقاً تفرق بين الإنسان القديم والواقع الذي أعيشهُ.
التقدم، الحضارة، والرقي والتطور الإجتماعي من الكلمات التي لم ترى النور بعدُ وما زالت في ظلماتِ اللغة، أو غير وليدة حتي الآن، جميع قطاعات الحياة تشبهُ الحياة البدائية حتي النخاع.
عندماْ يتحدثٌ عالمٌ إنثربيلوجي عن الإنسان الأول، واصفاً بخصائصهم وعاداتهمْ والقيمْ السلبية التي يحملونهُ أو يتحدثُ أحدهم عن إفريقياْ وويلاتَ الفقرِ المدقع والتّخلفِ المدمر وشبح البطالة، يتبادر الي ذهني أن الأمثل الأفصح هو مقاطعتى.
أعاصيرُ التخلف ضربت كل البناء ورياح الإنحطاط تأتي كل الفجاج وفيضاناتُ التدهور تجريْ كلَّ السبل، هناكَ إنهيارٌ واسع النطاق في جميع مرافق الحياة، التخلف بمعناه الإصطلاحي الذي هو التأخر الزمني والقيمي والسلوكي عن الركب الحضارة وبمصرعيه المطلق والنسبي موجودٌ في جميع حقول الحياة وله أبعادٌ متنوعةِ تكادُ لا تجدُ المقوامات الأساسية للحياة، الفقر المالي والسياسي والتعليمي والصحيّ والثقافي عمّت المقاطعة.
العوامل الأوحد والسبب المولدِ بتلك التجلياتِ الكاريثةِ ليس الّا أنّما هم السلطات الإحتيالية الصومال لاندية، أيُّ أدني شيئٍ من التخلف وقع في هناْ فهم الأبّ والأم معاً..
غداة تسلّمهم بإدارة المقاطعة في عهد العقيد الراحل عدي موسي الي اليوم التي كانت مدةً تزيد عن عقد من الزمان كانت تلك المدةَ بمثابةَ إنهيارِ مستمرٍ وعبارةً عن التخلف بمنظور النظرياتِ التقدم الإجتماعي إن لبّ مسألةِ التخلف هو بنية تتصف بالقمع والقهر وبالسلط والرضوخ والتي تعني بحرمان الإنسان من إنسانيته فكلُ تلك المعاني وبأوسع ما تعنيه موجودةٌ هنا وليست من البالغة في شئ.
سلكتْ صومالاند طرائق مختلفة لتنفيد أجنداتها الهدامة ولتوصل مبتغاهاْ، راجعتْ تاريخِ الإستعماريينِ بغيةِ معرفةِ أشكال الإستحمار المدمرة وكيفةِ التخلصِ المجتمعات المستعمَرة ومحوها من الوجودٍ،فأدركت أنّ أول واجبٍ علي المستعمِر(كما يقرره المكيافيلي) أن يتعمد الي الرموز -قتلاً وتغريباً – التي تشد أبناء هذا البلد إلى بلدهم وتشعرهم بالانتماء والوحدة فيزيلها ويقضي عليها ويكون بهذا قد قطع أولى جذور ارتباطهم بأوطانهم واستقلالهم وهويتهم.
قد تقضيْ شهوراً ولا يسمعُ أذناكَ سوي قتيلٍ من ذوي التجارة أو الضميرِ القومي قضى نحبهُ من قبلِ جهاتٍ مجهولة كما تعتقدُ الأكثرية من الرعاع والهمج لكن الذي لديهِ شئٌ من العقلِ يدركُ ذلك ببساطةٍ بالغةٍ كيف؟! وقد قُتلَ في وضح النهار وبزيٍ عسكريٍ ! مئاتٌ من التّجارِ وذي العقل والرموز ذاقواْ المنيةَ بهذه الطريقةِ.
اضطرّ الآخرونَ الخروج الي المنفيَ هاربينِ من قمعِ السلطاتِ واغتيالهمْ حيثُ ذاقوا طعمَ الغربةِ المرّة في أطرافِ العالم، كمْ من شخصٍ إجتماعيٍّ وثابٍ وعالمٍ نحريرٍ ومثقفٍ مبرّز أختار المنفي هرباً من الإعدامِ ولغةَ السوطِ تحتَ الكهوفِ.
يا لهاْ من إستراجيجةٍ إستعماريةٍ تصحريةٍ بإمتياز!
كيف؟! ولمَ؟! لا تكونُ هذه المقاطعةُ مأوي التخلف وأمَّ الإنحطاطِ ولا توجدُ فيهاْ أيُّ أدني مقاومٍ للتخلف من حيثةٍ الإقتصاد فاهلها جثثُ تحت القبورُ، ومن حيثةِ العلمٍ فرجالهُ لاجئون في مخيماتِ الكوكب الأرض ومن حيثةٍ…ومن حيثةِ….
النعرات القبليةِ والتناحر العنصريْ والأفعال البربرية والثأر القبلي هذه الأفعال ظاهرةٌ إجتماعيةٍ تخلفية تخظي في الآونة الأخيرةٍ تضخماً لا مثيل له، منذ عقودٍ علي مستوي العالم هي أكثر المناطق التي شهدتْ ضحيةَ هذا الدّاء، لا بأسَ في هنا تدمير مدنٍ وإحراقُ أكواخٍ فضلاً عن الأنفس التي أُختيرتِ الفناء، حتي الأطفال الأبرياء لم يسلمواْ حيثُ ذهبواْ الي ربهمْ تحتً أعوادِ المشانق.
يبدو الأمر في ظاهرهِ مجردْ نعراتٍ قبلية،ٍ كلاْ، ليس ذلك من الحقيقةِ في شئ،ِ بل الأمرُ أعمقُ من هذاْ، السلطاتْ الإحتيالية الموجودةِ هناْ لهم اليد اليمني للقضية وبمباركةِ خارية،ِ جميعُ الأسباب التي تشعل النارَ ستنتهي الي صوبهمْ بسهولةِ، ولا غرابةَ في ذلك، أنظر الملفات الإستعماريةِ من جبلِ أبارِ في أرض تركستانِ شرقاً ومن بلاد مليون شهيد غرباً، إنها ضربٌ من ضروبِ الإبادة، وهناك ألف صورةٍ ومئةٌ طريقة أخريِ لتوظيف الإستعمار.
ولو أننا أردناٌ تفسير هذه الظواهر المؤسفة السالف ذكرهاْ في ضوء علم الإجتماع فالنتيجة توحي اليناْ بهلاك هذا المجتمع بأكملهِ مجتمعياً وحينذٍ لا يبقي منه غير ذكري مدفونةً في كتب التاريخ، ومن المتفق عليهِ علمياً أن المجتمع إذا ضعفت شبكةُ علاقاتهِ الإجتماعية وفُقد النشاط المشتركْ ستنهيْ مسيرتهُ الحياتيةُ عن قريب،ولو لم تتغير إرادت الله مجراهاْ تجاه هذا الأمر سيرحلون نهائياً عن الدينا مائها ومرعاها في غضون ربع القرن المقبلة، هذه سنةٌ كونيةٌ وليستْ تكهناً يرى مالك بن نبي المفكر الجزائري: أن العجز المجتمعيْ عن النشاط المشتركْ يمزق العلاقات الإجتماعية فيقبل أن يتحلل المجتمع تحللاً كلياً ومن ثمَّ يذهب الي الجحيم.
في مقدمته ذكر عبد الرحمن إبن خلدون العالم الإجتماعي مؤكداً هذه النظرية “أن الأمة إذا غلبت وصارت في ملكة غيرها أسرع إليها الفناء” حيث يسبب ذلك ما يحصل في النفوس من التكاسل وفقدان النشاط المشترك المجتمعي.