الصومال كانت تستقبل الأعوام الماضية وهي مثقلة بهموم وتحديات داخلية أبرزها حركة الشباب المجاهدين التي تسعى إلى إثبات وجودها عبر زعزعة الأمن والاستقرار وتنفيذ تفجيرات وإغتيالات منظمة، إضافة إلى صعوبات التوفيق بين مطالب العشائر، وطموحات سياسييها اللامحدودة.
عام 2018م جاء والصومال تحمل أثقالا مع أثقالها، أثقال إضافية متمثلة في محاولة قوى إقلمية في استقطاب الصومال ضمن صراعاتها الإقليمية، وتتجلى بوضوح إرهصات هذا التأثير في المشهد السياسي المحلي وكيف تتراقص مفرقعاتها في سماء العاصمة وكأننا في عرس يمني صنعاوي ما قبل حوثثة اليمن.
حكومة (فرما – خيري) تواجه تحديات عدة من بينها:
ثقل العشائر التي كانت تحتكر المناصب العليا تقليديا والتي وجدت نفسها فجأة في مؤخرة القائمة، بل أصبحت بمنزلة بنو تميم الذين قال بحقهم الشعر العربي:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم * ولا يُستأذنون وهم شهود
يستصغرون كيف لا يستشار معهم في تعيين من يمثلهم في الحقائب الوزارية وغيرها من المناصب. ورغم استيائهم الشديد من هذه الوضعية ولسان حالهم بيت ابن دريد في مقصورته:
ما خلّتُ أنَّ الدَّهرَ يَثنيني على * ضرَّاء لا يَرْضى بها ضبُ الكُدى
لكن مع ذلك لم تكن تملك أي أوراق فعلية تمكنها تعديل الحسابات السياسية الحالية لصالحها، إلا أن تزاوج الأطماع السياسية المحلية مع الرغبات الاقليمية في الجوار الصومالي، عجل تضييق الخناق على الحكومة الحالية وجعل خياراتها محدودة للغاية، والأمر الآخر هو رغم محدودية هذه الخيارات يبدو أن الدائرة المصغرة الأعلى، والتي تتخذ القرارات تفتقر إلى الاستيعاب اللازم لحقيقة الوضع الذي تتخذ فيه قراراتها الحساسة، وهي نقطة إن لم يتم تداركها سريعا سيكون لها انعكاسات خطيرة.
الشعب الصومالي شعب يقتات الكلام أكثر من الطعام والشراب، ويقدر الشخص في فصاحته وكثرة كلامه أكثر من أدائه وانجازاته الفعلية، والرئيس الحالي زاهد عن الكلام ولا يدلي التصريحات اللازمة في الوقت اللازم، والشعب بدأ يدرك تغيب الرئيس في اللحظات الحرجة التي يتطلع فيها إلى توضيحات حول وقائع بعيننها، والسبب ليست ندرة الانجازات ولا قلة الأحداث الجسام التي تستدعي الحديث.
الرئيس الحالي رغم أنه تولى سابقا أحد المناصب الرئيسية في البلاد وعايش حقيقة الوضع السياسي والأمني عن كثب، لكنه تجاهل كل ذلك وأفرط أثناء حملته الانتخابية في توجيه سهام النقد لأسلافه في السلطة، ومع الأسف واجهت حكومته جميع المثالب التي كان يصف بها أسلافه، دون أن يستطيع تبريرها بأي طريقة مما أدى إلى فقدان الرئيس للجرأة والوقوف أمام مواطنيه.
واستغل رؤساء الأقاليم الفيدرالية الفرصة واستلموا المبادرة من الحكومة الفيدرالية عبر تأسيس مجلس يجمع رؤساء الأقاليم وكممثلين أساسيين لمصالح الوطن والمواطن على المستوى الاقليمي والفيدرالي.
بوجود هذه المتلازمة الثلاثة (الأطماع العشائرية المسيسة + عنفوان الاستقطاب الخارجي + غياب الرمزية القيادية الكاريزمية) تمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل هذه الحكومة، وبعث تساؤل مشروع عن مدى قدرتها على الصمود في السنة الجديدة فضلا عن استكمالها لولايتها الدستورية المنتهية في عام 2020/2021م؟
جمهورية أرض الصومال
الرئيس الجديد موسى بيحي جديد على المنصب وشكل قريبا أعضاء حكومته، ويعتبر شخصية متشددة عند ما يتعلق الأمر بالانفصال والعلاقة مع جمهورية الصومال.
ولا يبدو أن الظروف مواتية لتحرك مفاوضات الصومال مع أرض الصومال في عام 2018م وذلك لغياب أي مغريات تستدعي الحوار، فالقضايا الفنية لم تعد تشكل تحديا كبيرا، والقضايا المصيرية لم يحن موعدها بعد، أضف إلى ذلك أن الجانب الصومالي سيكون بحاجة إلى كل الوقت والجهد المتاح، من أجل حلحلة أوضاعه.
ولهذا سيكون التحدي الأكبر الذي سيأخذ انتباه الرئيس بيحي وحكومته اتفاقية بربرة وتحقيق استحقاقات ذلك عبر المشاريع التنموية التي تنص الاتفاقية بتنفيذها في مناطق أرض الصومال، وبما أن الانتخابات انتهت ستتراجع شهية أرض الصومال تجاه الجبهات الساخنة في “الخاتمة”.
ولاية بونتلاند
بونتلاند تكافح من أجل الحد من الانفلات الأمني والتخلص من تهديد مقاتلي الشباب والداعش، لكن الحدث الأكبر فيها هو الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستكون مثيرة للغاية بسبب تنامي الأهمية السياسية والجغرافية للولاية على المستوى الصومالي والاقليمي، لا أعرف إن كان الرئيس الحالي يفكر في إعادة الترشح من جديد لهذا المنصب، لكن حظوظه ضئيلة فهو لم يعد يتمتع بالشعبية التي تؤهله للعودة إلى المنصب، وإعادة انتخاب مسئول لولاية ثانية تعتبر بدعة في العرف السياسي الصومالي، ومن سيكسر هذه العقدة يحتاج إلى معجزات لا أظن أنها تتوفر لعبدالولي جاس، كما أن تناوب عشائر محمود سليمان على رئاسة الولاية لايساعد حظوظه، أما الاشاعات عن رغبة رئيس الوزراء السابق عمر عبدالرشيد في الترشح لمنصب رئيس الاقليم، لم يصدر منه – حسب علمي – ما يفيد ذلك، لكن إن حدث ستكون لها دلالاتها وتداعياتها، الرجل لا يتمع بتأييد شخصي على مستوى الإقليم لكنها الصومال ولديه أوراق يمكن أن يلعب عن طريقها.
ولاية غلمدغ
الرئيس الحالي للإقليم شخص يتمتع بتأييد وقبول محلي على مستوى عشيرته، وتحريكه لملف المصالحة مع تنظيم أهل السنة، وما توصل معهم من اتفاقيات تحظى برعاية دولية واقليمية تدفع الاقليم نحو الاتجاه الصحيح، بشرط التجاوب مع مخاوف ومطالب عشائر عدادو وعابدواق وحيرالي.
ولاية هيرشبيلي
رغم التشوهات التي ولد بها الاقليم والتي تحدثنا عنها في مقال سابق فإن برلمان الاقليم هو المصدر الرئيسي لتهديد استقرار الاقليم وتطوره، البرلمان أسقط رئيس للإقليم في تصويت تشوبه عيوب دستورية لم تكن تمر بسلام لولا وجود تواطئ أو غض الطرف من فيلا صوماليا، وبعد انتخاب رئيس جديد للإقليم يواصلو نواب البرلمان ابتزازهم للرئيس في منحهم حقائب وزارية مقابل تمرير التشكيلة، مما يعطل عمل حكومة الاقليم.
ولاية جنوب غربي الصومال
الاقليم رهين لحسابات رئيس الولاية وحسابات رئيس الولاية مرهونة بعرف تقاسم السلطة التي يمنح حق رئاسة البرلمان الفيدرالي لأبناء هذه الولاية، ورئيس الولايات يرى أنه رقم واحد في أبناء العشيرة لكنه لا يستحق سوى منصب الرئيس، والعقبة الكأداء التي تعترض طريق طموحاته السياسية – حسب رأيه – هي انبهار أبناء ولايته بمنصب رئاسة البرلمان، وحتى يفك طلاسم هذه المعضلة فهو بغير مقتنع بمنصب رئيس الولاية ولغاية حصوله على منصب رئيس الجمهورية فإن سوف لن يترك منصب رئيس الولاية، لذا لم يعين نائبا له، وولايته لم يبق تكاد تنتهي، والوضع الحالي لن يضمن عودته بكل اريحية، فبدأ يرتب حبات الدومينو، فطرد رئيس المحكمة العليا كخطوة اولى لترتيب الأوراق.
ولاية جوبالاند
لم يعد فيها ما يقال عنها فلا يوجد في العام المنتهي أي تطورات تذكر ولا تقهقر للورء، وكلمة السر هي “القوات الكينية،” ونظرتها للولاية المجاورة لحدودها الشمالية.